من الضروري أن يدرك الناشئة أن الله قد فطر الإنسانية على الحرية، فالحرية فطرة في الطبيعة الإنسانية، فالله -سبحانه- خلق الإنسان حرا، لأنه جعله مسئولا عن تنفيذ منهجه في الأرض، فالإنسان حر لأنه مسئول. فالحرية تستتبع المسئولية، والمسئولية تستلزم الحرية. فنشاط المسلم كله حر، وهو كله عبادة لله، ما دام هذا النشاط حركة واحدة موجهة نحو هذه الغاية.
ومعنى كون الحرية فطرة فطر الله الإنسان عليها، أنها ليست مجرد منحة يمنحها النظام الاجتماعي للإنسان، أو يمنعها عنه، وإنما هي قيمة غريزية غرزها الله في خلق الإنسان حين خلقه. ويعبر عن هذا المعنى قول عمر بن الخطاب:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
فالحرية حاجة أساسية من حاجات النفس لا بد من إشباعها، وهي حق من حقوق الإنسان لا بد من ممارسته، فلا عجب -إذن- أن ينحرف سلوك الإنسان ويسوء عمله، وتهبط أخلاقه، ويتدهور حال مجتمعه كله إذا حرم ومنع من ممارسة حريته، أو إذا انفلت في ممارستها دون ضبط أو تنظيم وفق معايير المنهج الإلهي.
وللحرية مظاهر كثيرة في التصور الإسلامي:
فهناك حرية النصح والإرشاد، وإبداء الرأي، والنقد وفق معايير سليمة، وهناك حرية التملك والتصرف، وحرية العمل والكسب المشروع. وهناك حرية التفكير والاختيار وهو جوهر الحرية الإنسانية.
والإسلام يسير في مفهوم الحرية مع مقتضى فكرته عن فطرة الإنسان على الإيمان بالله وحده، فالإنسان غير المسلم الذي تصل إليه فكرة الإسلام واضحة جلية دون ضغوط أو حصار أو رفض قائم على مقدرات سابقة، لا بد أن يعود إلى فطرته السليمة التي فطر الله الناس عليها. لكن الإسلام يريده أن يعود إلى الله بإرادته الحرة الواعية. فهذا هو الطريق الوحيد الذي يستوجب المسئولية.