٢٦- بناء الشخصية القوية الكادحة لا الشخصية المترفة:
يلفت القرآن الكريم النظر بشدة إلى كراهية الإسلام للترف، وحبه للكد والكدح، فبالمقارنة بين الكد والكدح، والإحسان في العمل، والإتقان فيه، وعمارة الأرض وترقية الحياة، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل ما يؤدي إلى بناء الحياة النظيفة من جانب، وبين الربا، وقلة الإنتاج، والترف، والكسل، والترهل، والنعومة؛ وقلة الرجولة، وسقوط الهمة، وسيطرة الشهوات، وشيوع العداوات.. إلى آخر القائمة البغيضة التي تؤدي إلى هدم الحياة النظيفة من جانب آخر ... بالمقارنة تتضح مفارقات عجيبة:
لقد اتضح أن تنمية مجموعة المفاهيم الأولى في نفوس الناشئة بواسطة مناهج التربية تعتبر المهمة الرئيسية لهذه المناهج؛ لأن في ذلك تحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة، وهي: الحفاظ على الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال.
كما أن هذه المفاهيم تتسق مع طبيعة مركز الإنسان في الكون، ومع مقتضيات وظيفته في الحياة. لقد كرم الله الإنسان، وفضله على سائر خلقه، وآية ذلك أنه -سبحانه- جعل الإنسان خليفته في الأرض؛ ليقوم على عمارتها، وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله.
والخلافة في الأرض تقتضي الحركة الإيجابية، التي تنشئ وتبدع في عالم المادة ما يتم به قدر الله في الأرض والحياة والناس.
وعمارة الأرض وترقية الحياة فيها تتطلب العمل والكد بصورة مستمرة:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}[البلد: ٤] . {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق: ٦] .
والمطلوب في عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها ليس مجرد العمل والكد والكدح، بل الإحسان في العمل؛ أي: المهارة والإتقان فيه، والاتجاه به إلى الله:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}[الكهف: ٣٠] . ويقول الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام:"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".
"إن الإسلام دين للواقع. دين للحياة. دين للحركة. دين للعمل والإنتاج والنماء، دين تطابق تكاليفه للإنسان فطرة هذا الإنسان، بحيث تعمل جميع الطاقات الإنسانية عملها الذي خلقت من أجله، وفي الوقت ذاته يبلغ الإنسان أقصى كماله الإنساني المقدر له، عن طريق الحركة والعمل، وتلبية الطاقات والأشواق، لا كبتها أو كفها عن العمل، ولا إهدار قيمتها واستقذار دوافعها.."١.