للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٧- إدراك مفهوم التغير الاجتماعي:

لا بد أن يدرك الطلاب أن التغير الذي يحدثه الإنسان في الأرض أو في المجتمع، يتم وفق الإرادة المطلقة لله. وهذا التغير إما أن يكون في اتجاه يهدف إلى تدبير شئون الخلق وفق منهج الله، وإما أن يكون في أي اتجاه آخر. وفي كل الأحوال فإن التغير الاجتماعي الذي يحدثه الإنسان، إنما يخضع لقاعدة ثابتة تمثلث في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: ١١] .

وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: ٥٣] .

إن الآيتين السابقتين تدلان دلالة قاطعة على أن التغير الاجتماعي إنما يبدأ من الداخل، أي: من داخل النفس، وذلك بتغيير الأنماط العقائدية والمعيارية والقيمية والفكرية للإنسان، فإذا ما تغير ذلك، فإنه ينعكس على السلوك الخارجي للفرد والمجتمع على السواء. أي: إنه ينعكس على النظم، والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية. إلى آخره. لكن العكس غير صحيح. فتغيير النظم والمؤسسات على غير أسس معيارية واضحة وعميقة في نفوس الناس، هو تغير سطحي هش، يطير مع أول نسمة هواء.

إن المنهج القرآني في التغير الاجتماعي، هو ما طبقه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أقام العقيدة قوية راسخة في مكة، ثم أقام النظام على أساسها في المدينة. ومما يؤثر في هذا المقام عند الأستاذ حسن البنا قوله: "أقيموا الإسلام في أنفسكم يقم على أرضكم".

ما يستفاد من قاعدة التغير:

مما سبق تتضح لنا مجموعة من الحقائق أهمها ما يلي:

أولا: أن كل تغير في الكون يتم في إطار الإرادة المطلقة لله، بما في ذلك حركة الإنسان بالطبع، وهذا أصل ثابت بالنص {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ} ، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا} ، {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ، وحول هذه القاعدة تدور حركة الإنسان في جميع اتجاهاتها، فحركة الإنسان -كحركة كل شيء في الكون- تدور وفق الإرادة المطلقة لله.

ثانيا: تقرر الآيتان السابقتان "عدل الله في معاملة العباد، فلا يسلبهم نعمة وهبهم إياها إلا بعد أن يغيروا نواياهم، ويبدلوا سلوكهم، ويقلبوا أوضاعهم، ويستحقوا أن يغير الله ما بهم مما أعطاهم إياه للابتلاء والاختبار من النعمة التي لم يقدروها ولم يشكروها".

<<  <   >  >>