للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان الله سبحانه وتعالى يكرم هذه الأمة, ويرفع مقامها ويفردها بمكان خاص لا تبلغ إليه أمة أخرى، فهو يضع على كاهلها واجبا ثقيلا، فهي أمة ذات دور خاص، ولها حساب خاص.

"في أول مقتضيات هذا المكان أن تقوم على صيانة الحياة من الشر والفساد.. وأن تكون لها القوة التي تمكنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي أمة أخرجت للناس.. "لتقوم بهذا" العمل الإيجابي لحفظ الحياة البشرية من المنكر، وإقامتها على المعروف، مع الإيمان الذي يحدد المعروف والمنكر: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠] ١.

وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو "صفة" الأمة الإسلامية -كما سبق أن رأينا- فهو أيضا وظيفتها التي عن طريقها تقيم منهج الله في الأرض وتغلب الحق على الباطل، والمعروف على المنكر، والخير على الشر.. هذه الوظيفة التي من أجلها أنشئت الجماعة المسلمة بيد الله وعلى عينه، ووفق منهجه.. هذه الوظيفة يقررها الله في قوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] .

فلا بد من جماعة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لا بد من سلطة في الأرض تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والذي يقرر أنه لا بد من سلطة، هو مدلول النص القرآني ذاته. فهناك "دعوة" إلى الخير، ولكن هناك كذلك "أمر" بالمعروف. وهناك "نهي" عن المنكر. وإذا أمكن أن يقوم "بالدعوة" غير ذي سلطان، فإن "الأمر والنهي" لا يقوم بهما إلا ذو سلطان٢.

ومن ثم فلا بد من جماعة تتلاقى على هاتين: الإيمان بالله، والأخوة في الله، لتقوم على هذا الأمر العسير الشاق بقوة الإيمان والتقوى، ثم بقوة الحب والألفة. وكلتاهما ضرورة من ضرورات هذا الدور الذي ناطه الله بالجماعة المسلمة، وكلفها به هذا التكليف. وجعل القيام به شريطة الفلاح، فقال عن الذين ينهضون به: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] .


١ المرجع السابق، ص٤٤٧.
٢ المرجع السابق، ص٤٤٤.

<<  <   >  >>