للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومفهوم الثقافة على النحو السابق يقودنا إلى الإجابة عن سؤال: من هو المثقف؟ فالمثقف -وفقا لما سبق- هو الشخص الذي يدرك بوضوح رؤية مجتمعه للألوهية والكون والإنسان والحياة ويؤمن بها، ويدافع بوعي عنها. ومفهوم المثقف هذا يعني ثلاثة أمور:

الأول: أن الشخص الذي ليس له رؤية لا يعد مثقفا، حتى لو كان عالما في مجال تخصصه الصرف في الرياضيات أو الكيمياء أو الفيزياء أو التاريخ أو اللغات، حتى لو كان حائزا على أعلى الجوائز الدولية في مجال تخصصه، أو كان حائزا على شهادات عالية علمية أو ألقاب أكاديمية من جامعات عالمية شهيرة. فالمثقف شخص له رؤية.

الثاني: أن الإنسان السلبي أو المترف أو المتردد أو الصامت أو المنعزل لا يعد مثقفا مهما كان عالما؛ فالمثقف لا بد أن يسهم بفكره وعمله وعلمه ونشاطه في تغيير المجتمع وفقا لرؤيته, ورؤية المجتمع التي تتسق مع فلسفته وعقيدته. وعلى ذلك، فهؤلاء الذين يرفضون التدخل في القضايا غير العلمية البحتة في مجال تخصصهم والتي تمس الحياة العامة للناس، والذين يرفضون إبداء الرأي في المفاهيم الثقافية والفكرية والأيديولوجية، والذين يرفضون النزول إلى الشارع وإبداء الرأي في الأفكار والقيم والمشكلات والسلوكيات المطروحة ليسوا بمثقفين مهما كانت إنجازاتهم في تخصصاتهم العلمية البحتة.

الثالث: أن يكونوا قادرين على التعبير عن رؤى نظرية واجتماعية متقدمة، وفكرا وثقافيا متحددا في مستقبل مجتمعاتهم، وفي أبعاد نشاطهم -وبذلك يمكنهم الخروج عن إطار تخصصهم العلمي الضيق.

وواجب مناهج التربية هنا أن تسهم في إعداد المثقف الأصيل والمتجدد في نفس الوقت. فهي تعد المثقف القادر على الحفاظ على أصالته وأصالة مجتمعه، وعلى الحفاظ على هويته وهوية مجتمعه، وذلك عن طريق إمداده بأسس ثقافته من منابعها الأصيلة. وإمداده بمجموعة الحقائق والمعايير والخبرات والمهارات التي تجعل منه إنسانا متميزا في مجتمع متميز.

كما يجب أن تمده أيضا بمجموعة الخبرات والرؤى والتصورات التي تعينه على التفكير الابتكاري وعلى استشراف آفاق المستقبل وتحديد معالمه، وتعينه أيضا على المشاركة الإيجابية في القضايا والتحولات والمنجزات الكبرى التي تسهم في تغيير مجرى الحياة، وتؤثر في مسار واتجاه المجتمعات، وتقودهما نحو الحق والخير

<<  <   >  >>