للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه فإننا عندما نبني نظاما من نظم الحياة في السياسة أو الاقتصاد أو التربية إلى آخره، فإننا لا يجب أن نخلط بين التصور الإسلامي ومنظومته الحضارية الربانية العالمية الثابتة، وبين غيره من التصورات ذات المنظومات الحضارية البشرية المتغيرة، التي تخضع في مسيرتها لكثير من نزوات البشر وشهواتهم.

لكن هذا لا يقتضينا أن نتطرف فننظر إلى مناهج الآخرين على أنها شر كلها لا ينبغي الاقتباس منها في شيء؛ فسنن الله في خلقه لا تتبدل ولا تتخلف، فمن أخذ بها وصل إلى نتائجها، وهذه السنن لا تجامل مسلما لإسلامه، ولا تعادي كافرا لكفره، كما لا ينبغي الاعتقاد أنه لا نهضة لأمتنا إلا بتقليد الغرب في كل شيء وقبول دور التابع له، فإن هذا من شأنه أن يذيب شخصية الإنسان المسلم، والأمة الإسلامية!

ثانيا: مما سبق يمكن القول: إننا نحن المسلمين لا نستطيع أن نعيش في عالم اليوم، وأن نتعامل مع الآخرين، مع الاحتفاظ في نفس الوقت بكامل كرامتنا الإنسانية، دون التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة، أي: تصورا اعتقاديا، وتصورا اجتماعيا. إن هذا هو السبيل الوحيد الذي يجعل الأمة الإسلامية تقف في مصاف القوى الكبرى بمناهجها المتصارعة. وإلا فالبديل هو الذوبان في إحدى هذه القوى.

وفي اعتقادي أنه لن يصلح حاضر هذه الأمة ومستقبلها إلا بما صلح به ماضيها، مع الأخذ في الاعتبار عوامل الزمان والمكان، وحاجات الناس ومطالبهم في كل زمان ومكان.

وعليه فإن "التصور الاعتقادي" الإسلامي لا يمكن السماح بالخلط والتلبيس فيه، كما لا يمكن اقتباس شيء من خارجه لإدخاله فيه؛ وذلك لأنه تصور رباني، عالمي، ثابت، شامل. أما مناهج الآخرين الحالية، فأقل ما يمكن أن يقال فيها، إنها أزياء فصلت وطرزت لتناسب أقواما معينين في زمان ومكان معينين!

أما بالنسبة "للتصور الاجتماعي" النابع من "التصور الاعتقادي" الإسلامي فلا بد من النظر فيه: فما هو ثابت قد فصله الإسلام، وهذا لا مجال فيه للاقتباس من مناهج أخرى. وما هو متغير قد أجمله الإسلام، وهذا هو الباب المفتوح للاقتباس والتعلم من الآخرين.

ثالثا: إننا يجب أن نستعين بما يمكن الاستعانة به في مجال العلوم التقنية فقط، ودون التأثر بنمطه الحضاري العام. ويجب في هذا الإطار أن نفرق بدقة بين

<<  <   >  >>