إن إرساء قواعد العدل والسلام في العالم وإيقاف الحروب والصراعات والمؤامرات حفاظا على الأجيال الحالية من البشر، والحفاظ على البيئة ووقف استنزافها، وتجريم تخريبها حماية لمستقبل الإنسانية -كل هذا لا يمكن أن يتم دون تصحيح تصور الإنسان للكون والإنسان والحياة، وفهم مركز الإنسان في الكون ووظيفته في الحياة.
إن بناء قيم العدل والسلام في عقول البشر وضمائرهم لا يمكن أن يتم من خلال مناهج للتربية تقوم على أساس عدم الإيمان بالله، وإنكار حقيقة الألوهية، واعتبار الطبيعة خالقة، وأنها الجوهر الأول، وأصل كل شيء، ومصدر كل شيء كما يعتقد أنصار المدرسة المادية التي تنكر الغيب ولا تعترف بغير القوى المادية المحسوسة. كما لا يمكن أن يتم هذا من خلال مناهج تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة، واعتبار أن للبشر ملكوت الأرض، ولله ملكوت السماء!
إنه لا ضمان لعدل ولا أمل في الإسلام عندما يعزل الدين عن الحياة، أو تغتصب الحاكمية والسيادة من شريعة الله لحساب النظام العالمي الجديد، أو لحساب الرغبة في الهيمنة والاحتكار والقهر كما تفعل ذئاب الكون المعاصرة.
إن شريعة الله التي سنها لتنظيم حياة البشر، هي شريعة كونية متصلة بناموس الكون العام، ومتناسقة معه؛ ومن ثم فإن الالتزام بها ناشئ عن ضرورة تحقيق التناسق بين حياة الإنسان، وحركة الكون الذي يعيش فيه، وبذلك فإن العمل بهذه الشريعة واجب حتمي لتحقيق هذا التناسق.
إن هذا التناسق يحقق للإنسان السلام مع نفسه، كما يحقق له السلام مع الكون المحيط به. أما السلام مع النفس فينشأ من توافق حركته مع دوافع فطرته الصحيحة، وبذلك تنتظم حركة الإنسان الظاهرة مع فطرته المضمرة.
وأما السلام مع الكون فينشأ من تطابق حركة الإنسان مع حركة الكون المحيط به في الاتجاه والغاية. بذلك يتحقق الخير للبشرية عن طريق هدايتها وتعرفها في يسر إلى أسرار هذا الكون، والطاقات المكنونة فيه والكنوز المذخورة في أطوائه، واستخدام هذا كله وفق شريعة الله لتحقيق الخير البشري العام، بلا تعارض ولا اصطدام.
ولهذا فإنه عندما يحيد الإنسان عن هذه الشريعة فإنه يحدث نوعا من الشقاق الذي يؤدي حتما إلى كوارث نفسية وكونية، فالحياد عن شريعة الله يحدث الشقاق بين الإنسان وفطرته السليمة التي فطره الله عليها، فيصاب بأبشع الأمراض النفسية والجسمية.