للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإسلام تصور معين للحياة، تنبثق منه قيم خاصة لها. فمن الطبيعي إذن أن يكون التعبير عن هذه القيم، أو عن وقعها في نفس الفنان، ذا لون خاص١.

وأهم خاصية للإسلام أنه عقيدة ضخمة جادة فاعلة خالقة منشئة، تملأ فراغ النفس والحياة، وتستنفد الطاقة البشرية في الشعور والعمل، وفي الوجدان والحركة، فلا تبقي فيها فراغا للقلق والحيرة، ولا للتأمل الضائع الذي لا ينشئ سوى الصور والتأملات.

وأبرز ما فيه هو الواقعية العملية حتى في مجال التأملات والأشواق، فكل تأمل هو إدراك أو محاولة لإدراك طبيعة العلاقات الكونية أو الإنسانية وتوكيد الصلة بين الخالق والمخلوق، أو بين مفردات هذا الوجود. وكل شوق هو دفعة لإنشاء هدف، أو لتحقيق هدف، مهما علا واستطال.

وقد جاء الإسلام لتطوير الحياة وترقيتها، لا للرضى بواقعها في زمان ما أو في مكان ما، ولا لمجرد تسجيل ما فيها من دوافع وكوابح، ومن نزعات وقيود، سواء في فترة خاصة أو في المدى الطويل.

مهمة الإسلام دائما أن يدفع بالحياة إلى التجديد والنمو والترقي، وأن يدفع بالطاقات البشرية إلى الإنشاء والانطلاق والارتفاع.

ومن ثم فالأدب أو الفن المنبثق من التصور الإسلامي للحياة، قد لا يحفل كثيرا بتصوير لحظات الضعف البشري، ولا يتوسع في عرضها، وبطبيعة الحال لا يحاول أن يبررها، فضلا عن أن يزينها بحجة أن هذا الضعف واقع، فلا ضرورة لإنكاره أو إخفائه.

إن الإسلام لا ينكر أن في البشرية ضعفا، ولكنه يدرك كذلك أن في البشرية قوة. ويدرك أن مهمته هي تغليب القوة على الضعف، ومحاولة رفع البشرية وتطويرها وترقيتها، لا تبرير ضعفها أو تزيينه.

والنظرية الإسلامية لا تؤمن بسلبية الإنسان في هذه الأرض، ولا بضآلة الدور الذي يؤديه في تجديد الحياة وترقيتها. ومن ثم فالأدب أو الفن المنبثق من التصور الإسلامي لا يهتف للكائن البشري بضعفه ونقصه وهبوطه، ولا يملأ فراغ مشاعره وحياته بأطياف اللذائذ الحسية، أو بالتشهي الذي لا يخلق إلا القلق والحيرة والحسد والسلب، إنما يهتف لهذا الكائن بأشواق الاستعلاء والطلاقة، ويملأ فراغ حياته ومشاعره بالأهداف البشرية التي تجدد الحياة وترقيها، سواء في ضمير الفرد أو في واقع الجماعة.


١ سيد قطب: نحو مجتمع إسلامي، مرجع سابق، ص٦٥، ٦٦.

<<  <   >  >>