إن قصر مفهوم العبادة على الشعائر التعبدية من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، تؤدى في لحظات قصيرة لا أثر لها في صفحة النفس ولا في صفحة الكون، هذا المفهوم الذي دلف إلى حياة المسلمين في القرون الأخيرة هو الذي أدى إلى حياة الذل والهوان، والتخلف الذي تعاني منه الأمة الآن.
إن نسيان تعاليم القرآن التي تقرر بجلاء -كما يقول الشيخ محمد الغزالي- أن الأرض مخلوقة للناس، وأن التمكين فيها جزء من رسالة الحياة الأولى والأخرى ... إن هذا هو الذي أغرى الكثيرين من أبناء الأمة بالتمسك بأحاديث ضعيفة في سندها ومتنها تغري بالتجرد والفقر.
إننا الآن -بالمقارنة بشعوب العالم- شعوب مستهلكة لا منتجة، تأخذ أكثر مما تعطي، ويستحيل أن تنجح رسالة كبرى يوم يكون حملتها في هذا المستوى، إن امتلاك الحياة الدنيا عن علم وقدرة وخبرة هو السبيل الأوحد لنصرة المبادئ والمذاهب.
إن العالم عندما يرانا نتسول أرزاقنا من غرس أعدائنا الذين يصنعون لنا الطعام والكساء والدواء والسلاح، فلن يسمع منا، ولن يرتضينا له قادة، فلا يجوز أن يكون الإمام أجهل من المأموم.
فالاستخلاف في الأرض، والتمكين، والأمن، والقيادة، والريادة، والنصر.. كل هذا مرهون بالعبادة الحقيقة لله، وحيث إننا أعرضنا عن العبادة الحقيقية، فلماذا ننتظر الاستخلاف، والريادة، والقيادة، والنصر؟
هذا هو المحور الذي يجب أن يدور حوله، ويركز عليه منهج تربية الإنسان المعاصر.. وإلا فلن يكون إنسانا، ولن يكون أصيلا، ولن يكون معاصرا.