هي ألفاظ جامدة، لا ألوان تصور، ولا شخوص تعبر، أدركنا بعض أسرار الإعجاز في هذا اللون من تعبير القرآن".
إن التصوير هو الأداة المفضلة، في أسلوب القرآن، فليس هو حيلة أسلوب، ولا فلتة تقع حيثما اتفق، إنما هو مذهب مقرر، وخطة موحدة، وخصيصة شاملة.
"ويجب أن نتوسع في معنى التصوير، حتى ندرك آفاق التصوير الفني في القرآن، فهو تصوير باللون، وتصوير بالحركة، وتصوير بالتخييل، كما أنه تصوير بالنغمة تقوم مقام اللون في التمثيل، وكثيرا ما يشترك الوصف، والحوار، وجرس الكلمات، ونغم العبارات، وموسيقى السياق، في إبراز صورة من الصور، تتملاها العين، والأذن، والحس والخيال، والفكرة والوجدان".
"وهو تصوير حي، منتزع من عالم الأحياء، لا ألوان مجردة وخطوط جامدة، تصوير تقاس فيه الأبعاد والمسافات، بالمشاعر والوجدانات، فالمعاني ترسم وهي تتفاعل في نفوس آدمية حية، أو في مشاهد من الطبيعة تخلع عليها الحياة"١.
والآن نختار بعض الأمثلة لتوضيح ما سبق:
إخراج المعاني الذهنية في صورة حسية:
١- يريد الله أن يبين أن قبول الذين كفروا عند الله، ودخولهم الجنة أمر مستحيل، هذا المعنى الذهني المجرد يعرضه الله -سبحانه- في أسلوب تصويري أخاذ كما يلي:{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}[الأعراف: ٤٠] .
ويدعك ترسم بخيالك صورة لتفتح أبواب السماء، وصورة أخرى لولوج الحبل الغليظ "الجمل" في سم الخياط، ويدع للحس أن يتأثر عن طريق الخيال بالصورتين معا, ليستقر في النهاية استحالة قبول الكفار عند الله، واستحالة دخولهم الجنة، ويستقر هذا المعنى في أعماق النفس، وقد ورد إليها -تصويرا- عن طريق العين والحس.
٢- ويريد الله أن يبين للناس أن الصدقة التي تبذل رياء، والتي يتبعها المن والأذى، لا تثمر شيئا ولا تبقى، فينقل إليهم هذا المعنى في صورة حسية متخيلة على النحو التالي: