للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التخييل الحسي والتجسيم:

وهكذا نرى أن قليلا من صور القرآن الذي يعرض صامتا ساكنا -لغرض فني يقتضي الصمت والسكون- أما أغلب الصور ففيها حركة مضمرة أو ظاهرة، حركة يرتفع فيها نبض الحياة، وتعلو بها حرارتها.. هذه الحركة.. حركة حية مما تنبض به الحياة الظاهرة للعيان أو الحركة المضمرة في الوجدان، هذه الحركة هي التي تسمى "التخييل الحسي" وهي التي يسير عليها التصوير في القرآن لبث الحياة في شتى الصور مع اختلاف الشيات والألوان.

"وظاهرة أخرى تتضح في تصوير القرآن الكريم وهي "التجسيم": تجسيم المعنويات المجردة، وإبرازها أجساما أو محسوسات على العموم"١.

١- ومن التخييل ما يمكن تسميته "التشخيص"، ويتمثل في خلع الحياة على المواد الجامدة، والظواهر الطبيعية، والانفعالات الوجدانية.

ومن المناظر الطبيعية المتحركة في الجو، في خطوات، تمثل كل منها مشهدا: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ، فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: ٤٨-٥٠] .

هكذا مشهد بعد مشهد: إرسال الرياح، إثارة السحاب، بسطه في السماء، جعله متراكما، خروج المطر من خلاله، نزول المطر، استبشار من يصيبهم بعد أن كانوا يائسين، إحياء الأرض بعد موتها.

وهذه هي الشمس والقمر والليل والنهار في سباق دائم لا يفتر ولا يتوقف: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: ٤٠] .

وهذه هي الأرض "هامدة" مرة، و"خاشعة" مرة، ينزل عليها الماء فتهتز وتحيا: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: ٥] .


١ المرجع السابق، ص٧٢، ٧٣.

<<  <   >  >>