تنظيم العالم وفقا لطبيعته، لأنه لا يملك معرفة علمية دقيقة بفطرته التي فطره الله عليها.
وصفوة القول: إن التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التي تعاني منها الإنسانية، إذ ليس هناك ما يحميها من الظروف العدائية التي شيدها العلم حولها.
وإن العلاج الوحيد لهذا الشر المستطير هو معرفة أكثر عمقا بأنفسنا وبفطرتنا الإنسانية، وبذلك نتعلم كيف نكيف أنفسنا للمتغيرات المناسبة، وكيف نغير الظروف المحيطة بحيث تصبح الحياة حولنا ملائمة لفطرتنا الإنسانية، وعلى هذا فإن هذا الجزء هو رحلة عبر هذا الإنسان، ومحاولة لفهم فطرته الإنسانية التي فطره الله عليها.
الفطرة الإنسانية:
التربية عملية تهدف إلى إيصال المربي إلى درجة الكمال التي هيأه الله لها، والإنسان هو محور العملية التربوية، فالعملية التربوية بكل ما تشتمل عليه من أصول تربوية، ونظريات، ومناهج، وممارسات، ومربين، كلها تعمل وتتفاعل من أجل تهيئة الجو المناسب للمتعلم كي ينمو إلى درجة كماله الإنساني.
لكن المنهج التربوي يتأثر إلى حد بعيد بنظرة المخططين له والقائمين على تنفيذه إلى الفطرة الإنسانية، أو الطبيعة الإنسانية، والفطرة الإنسانية في الإسلام تختلف في مفهومها، وفي مصدرها، وفي غايتها عن الطبيعة الإنسانية في الفلسفات ومدارس علم النفس المختلفة.
يختلف مفهوم الفطرة الإنسانية في الإسلام عن مفهوم الطبيعة الإنسانية لدى الفلسفات ومدارس علم النفس المختلفة، ففي القاموس: فطر ناب البعير، أي: شق اللحم وطلع، وفطر النبات، أي: شق الأرض ونبت منها، وفطر الأمر، أي: ابتدأه واخترعه١، وفطر الله العالم، أي: أوجده ابتداء، وفي القرآن يقول الحق -تبارك وتعالى- على لسان سيدنا إبراهيم:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام: ٧٩] .
والفطرة هي الخلقة التي يكون عليها كل موجود أول خلقه، والفطرة هي الخلقة السليمة لم تشب بعيب، وفي التنزيل العزيز: