"العمرى": مأخوذة من العمر؛ لأنهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، يعطى الرجل الدار ويقول له: أعمرتك إياها؛ أي: أبحتها لك مدَّة عمرك؛ وكذا قيل لها: رقبى؛ لأن كلاً منهما يرقب متى يموت الآخر لترجع إليه، وإذا وقعت كانت ملكًا للآخِذ ولا ترجع إلى الأوَّل إلا إن صرح باشتراط ذلك، وهي كسائر الهبات.
والحاصل أن للعمرى ثلاثة أحوال: أحدها أن يقول: هي لك ولعقبك، فهذا صريح في أنها للموهوب له ولعقبه، الثاني أن يقول: هي لك ما عشت، فإذا مت رجعت إليَّ، فهذه عارية مؤقتة وهي صحيحة، فإذا مات رجعت إلى الذين أعطى، الثالث أن يقول أعمرتكها ويطلق فحكمها حكم الأولى ولا ترجع إلى الواهب، وهذا قول الجمهور.
وعن ابن عباس يرفعه:((العمرى لِمَن أعمرها، والرقبى لِمَن أرقبها، والعائد في هبته كالعائد في قيئه)) .
وعن جابر:"أن رجلاً من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخيل حياتها فماتت، فجاء إخوته فقالوا: نحن فيه شرع سواء، قال: فأبى، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقسمها بينهم ميراثًا"؛ رواه أحمد، والله أعلم.
* * *
الحديث الحادي عشر
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره، ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرِضين، والله لأضربن بها بين أكتافكم".
قوله:"خشبة" روى بالإفراد والجمع والمعنى واحد؛ لأن المراد الجنس، والحديث دليل على أن الجار إذا طلب إعارة حائط جاره ليضع خشبة عليه، وجب ذلك على المالك إذا لم يتضرَّر به.