كانت المرأة عندنا في العصور الأخيرة محرومة من التعليم، مع أن الاسلام يحث على العلم ويرغب فيه الرجال والنساء على السواء، وليس فيه نص واحد صحيح يحرم على المرأة أن تتعلم، وقد قلت إن في تاريخنا مئات العالمات والأدبيات والمحدثات ممن شهرن بذلك ودونت سيرتهن في كتب التراجم.
وتحضرني الآن سيرة فاطمة بنت الشيخ علاء الدين السمرقندي الفقيه الحنفي الكبير صاحب تحفة الفقهاء (المتوفي عام ٥٣٩ هـ) فقد كانت فقيهة جليلة، تزوجها تلميذ أبيها الشيخ علاء الدين الكاساني (المتوفي ٥٨٧ هـ) صاحب البدائع الذي بسط فيه كتاب شيخه السمرقندي حتى قيل عنه شرح تحفته وزوجه ابنته، وكانت فاطمة من جلالتها في الفقه ان كان زوجها يخطيء فترده الى الصواب، وكانت الفتوى تأتي فتخرج وعليها خطها وخط أبيها، فلما تزوجت بصاحب البدائع كانت الفتوى تخرج وعليها خطها وخط أبيها وخط زوجها.
ومما لا ريب فيه أن لجهل المرأة المسلمة في العصور الأخيرة أثراً في تأخر المسلمين، فالأمهات الجاهلات ينجبن أبناء جاهلين خاملين.
لذلك كان من النهضة المحمودة أن يفتح للفتاة باب التعليم وأن تكثر فينا الزوجات المتعلمات والأمهات المتعلمات.
وكل ما نلاحظه على تعليم الفتاة أنها كانت تدرس نفس المناهج والدروس التي يدرسها الفتى، وهذا خطأ بالغ، فان الفتاة تحتاج في حياتها العملية بعد التخرج الى ما لا يحتاج اليه الفتى، فهي مهيئة بفطرتها وخلقتها لتكون زوجة وأما "ومن ثم فمن الواجب أن تتعلما ما يفيدها في حياتها المقبلة، وقد انشئت في البلاد مدارس لتعلم الفنون النسوية، ومن الخير أن نكثر مثل هذه المدارس وأن تطعم مناهج الدراسة للبنات بقسط أكبر من أصول التربية المنزلية لتكون لها من الخبرة ما يساعدها على النجاح في حياتها المرتقبة.