إن قضية المرأة هي قضية كل مجتمع في القديم والحديث، فالمرأة تشكل نصف المجتمع من حيث العدد، وأجمل ما في المجتمع من حيث العواطف، وأعقد ما في المجتمع من حيث المشكلات، ومن ثمة كان من واجب المفكرين أن يفكروا في قضيتها دائماً على أنها قضية المجتمع، أكثر مما يفكر أكثر الرجال فيها على أنها قضية جنس متمم أو مبهج.
ولست في حديثي الآن متعرضاً لقضية المرأة من جميع نواحيها، فذلك ما أتهيب الخوض فيه حتى هذه الساعة، لوعورة الطريق، وكثرة المتاهات فيه، وتحكم العواطف به، وقلة المنصفين من المستمعين اليه أو القارئين عنه. وقد تميز عصرنا هذا بمميزات: منها أنه عصر الدعاية، فللدعاية تأثير كبير على تفكيرنا واتجاهاتنا واقبالنا على الشيء أو اعراضنا عنه، وقد لعبت الدعاية في قضية المرأة دوراً في تبلبل الآراء، وتشتت الأهواء، وتغطية وجه الحق السمح المنير، حتى قسمت الباحثين في أمرها الى قسمين: صديق محب لها، وعدو كاشح عنها، وفي هذا التقسيم من المغالطة والبعد عن الحق ما فيه، فأنا لا أتصور رجلاً يكون عدواً للمرأة، لأن المرأة أمه أو زوجته أو بنته أو أخته أو قريبته، فكيف يتصور أن يكون الانسان عدواً لأمة أو لزوجته أو بنته أو أخته مثلاً؟ فاذا كان يريد منعها من بعض الأشياء فذلك لأنه يريد في ذلك مصلحتها قبل كل شيء، ثم مصلحة المجتمع بعد ذلك، ولا تكون الصداقة أو العداوة في الاعطاء والمنع، ولكنما تكونان بجلب الخير أو التوريط في الشر.
ومثل ذلك يقال فيمن تسميهم الدعايات المغرضة بأصدقاء المرأة، فهل معنى صداقتهم لها أن يورطوها فيما يسيء أو يضر بمصلحتها؟ أو يسبب لها القلق والشقاء النفسي والاجتماعي؟ إن الصديق الذي يريد أن يعمل بصديقه مثل هذا إنما هو عدو ولو تحدث بالأسلوب الناعم الرقيق المرضي