ذهبت الآراء الاجتهادية في المذاهب الأربعة وغيرها الى صحة زواج الصغار ممن هم دون سن البلوغ، واستندوا في ذلك الى اجتهادات من نصوص القرآن الكريم، وإلى وقائع حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين.
وخالفهم في ذلك عدد قليل من الفقهاء منهم ابن شبرمة والبتي، فذهبوا الى عدم صحة زواج الصغار مطلقاً، وأن العقد الذي يعقده أولياؤهم نيابة عنهم يعتبر باطلاً لا يترتب عليه أثر ما.
ولا شك في أن حكمة التشريع من الزواج يؤيد هذا الرأي، وليس للصغار مصلحة في هذا العقد، بل قد يكون فيه محض الضرر لهم، إذ يجد كل من الفتى والفتاة نفسه بعد البلوغ مجبراً على الزواج بشخص لم يؤخذ رأيه في اختياره، وقد لا يتفق معه في المزاج والأخلاق والطباع وقد يكون احدهما سيء الأخلاق، الى غير ذلك مما يقع كثيراً.
والذي يحمل الناس - وخاصة في الريف - على اجراء مثل هذه العقود رغبة الوليين - وقد يكونان أخوين في ربط أسرتيهما برباط المصاهرة لمصلحة عائلية أو مادية أو شخصية، ومثل هذه المصالح لا يقيم لها الشرع وزنا، ولم تعد في حياتنا الحاضرة محل اعتبار بالنسبة للسعادة الزوجية، ووجوب الاحتياط لكل ما قد يؤدي بها الى الضعف أو التفكك.
لقد كان الأمر قديماً في مجتمعنا أن الفتاة لا رأي لها في اختيار الزوج، بل أبوها يزوجها بمن يريد أو تريد أمها، وما دام كذلك فمن السهل عليهم أن يزوجوها وهي صغيرة فاذا كبرت وجدت نفسها ملزمة بهذا الزواج لا تستطيع أن تبدي عليه اعتراضاً، وإلا كان نصيبها التأنيب والاهانة وقد يصل الأمر الى القتل اذا أصرت على الرفض والامتناع.