بل عليه أن يعاملها باللطف والحسنى بما استطاع، عسى أن يصلح قلبها ويكسب مودتها.
وقد فهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية كما ذكرناه، فكان حين يعدل بين زوجاته يقول:"اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك" يعني بذلك حبه لعائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها من زوجاته.
في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات - فهم خاطئ متهور
وقد حاول بعض الناس ممن لا علم لهم بالشرع، ولا بالكتاب والسنة أن يزعموا أن القرآن يمنع التعدد في آيتيه السابقتين، لأن الآية الأولى تشترط إباحة التعدد بالعدل بين الزوجات، والآية الثانية تقطع باستحالة العدل بينهن، فكأن التعدد مشروط بما يستحيل امكانه، فهو ممنوع.
ولا ريب في أن قليلاً من النظر يرد هذه الدعوى لأمور كثيرة منها:
أولاً- إن العدل المشروط في الآية الأولى وهو غير العدل المقطوع باستحالته في الآية الثانية.
فالعدل المشروط في الأولى هو العدل الذي يمكن للزوج أن يفعله وهو العدل المادي في مثل المسكن والمبيت واللباس والطعام وغير ذلك.
والعدل المقطوع بعدم استطاعته هو العدل الذي لا يمكن في الواقع للزوج أن يفعله، وهو العدل المعنوي في الحب والمكانة القلبية، فما تزوج الثانية إلا وهو معرض عن الأولى بسبب من الأسباب، فكيف يعدلها بها ويساويها معها في حبه وعواطفه!
وعلى هذا فلا تعلق بين العدلين في الآيتين، الا من حيث أنه عدل بين الزوجات! ويكون تعليق التعدد بالعدل المادي بين الزوجات لا يزال مشروطاً وقائماً، فمن علم أنه لا يعدل بينهن كان آثماً في التعدد، وإذا تزوج فلم يعدل كان آثماً.
وأما عدم عدله في حبه بينهن فلا يؤاخذه الله عليه إلا إذا أفرط في الجفاء، وبالغ في الانصراف.
ثانياً- إن نص الآية الثانية قاطع بالمراد من العدل الذي لا يستطيعه الانسان، وهو الحب، وذلك أن الله تبارك وتعالى بعد أن علم طبيعة النفس