للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً} [النساء: ١٢٩].

تفيد هاتان الآياتان بمجموعهما كما فهمها جمهور المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وعصور الاجتهاد فما بعدها: الاحكام التالية:

١ - اباحة تعدد الزوجات حتى الأربع، فلفظ "انكحوا" وإن كان لفظ أمر إلا أنه هنا للاباحة لا للايجاب، وعلى ذلك جمهور المجتهدين في مختلف العصور لا نعلم في ذلك خلافاً.

ولا عبرة بمن خالف ذلك من أهل الأهواء والبدع فذهبوا الى أن الآية تفيد إباحة التعدد بأكثر من أربعةن وهذا ناشئ من جهلهم ببلاغة القرآن وأساليب البيان العربي، ومن جهلهم بالسنة كما قال القرطبي رحمه الله.

٢ - أن التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات، فمن لم يتأكد من قدرته على العدل "لم يجز" له أن يتزوج بأكثر من واحدة، ولو تزوج كان العقد صحيحا بالاجماع ولكنه يكون آثما.

وقد أجمع العلماء - وأيده تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله - أن المراد بالعدل المشروط هو العدل المادي في المسكن واللباس والطعام والشراب والمبيت وكل ما يتعلق بمعاملة الزوجات مما يمكن فيه العدل.

٣ - أفادت الآية الأولى اشتراط القدرة على الانفاق على الزوجة الثانية وأولادها، بناء على تفسير قوله تعالى {أن لا تعولوا} أن لا تكثر عيالكم، وهذا هو التفسير المأثور عن الشافعي رحمه الله.

قال البيهقي في "أحكام القرآن" الذي جمعه من كلام الشافعي رحمه الله في مصنفاته:

وقوله: "ألا تعولوا" أي لا يكثر من تعولون اذا اقتصر المرأة على واحدة، وإن أباح له أكثر منها" (ص ٢٦٠).

وهذا يفيد ضمناً اشتراط القدرة على الانفاق لمن أراد التعدد، إلا أنه شرط ديانة لا قضاء.

٤ - وأفادت الآية الثانية أن العدل في الحب بين النساء غير مستطاع وأن على الزوج أن لا يميل عن الأولى كل الميل فيذرها كالمعلقة، لا هي مطلقة،

<<  <   >  >>