ومن ذلك أن الشريعة الاسلامية اكتفت ببيان الحكمة من الزواج وبيان غاياته الاجتماعية النبيلة: من كونه سبباً لسكن النفس واطمئنانها، وقيامها بواجباتها وبناء خلية اجتماعية صالحة تمد المجتمع بنسل صالح قوي عامل.
ولم تضع حداً لفارق السن بين الزوجين، فذلك مما تتنبه له العقول السليمة وتعيه الارادة الحكيمة، والناس في هذا مختلفون، فكم من متقدم في السن أكثر قدرة على القيام بواجباته الزوجية، وأكثر استعداداً لاسعاد زوجته وملء بيتها رغداً وهناءاً من كثير من الشباب.
إلا أن بعض الناس قد تعميهم المصلحة العاجلة عن الضرر الآجل وتهمهم مصالح أنفسهم قبل مصالح أبنائهم وذويهم، وقد يرون في الثروة والجاه وسيله للسعادة دون الفتوة والقوة والشباب، فيقدمون على تزويج بناتهم من شيوخ يعجزون عن القيام بواجباتهم الزوجية، ويستحيل أن تكون حياة الفتاة معهم حياة قلب وروح، بل حياة أشباح تتهاوى، وقبور تفتح لتستقبل أصحابها.
مثل هؤلاء يسيئون الى بناتهم بالغ الاساءة، والشريعة وإن لم تنص بصراحة على منعهم من هذا العمل إلا أن روحها وأهدافها التي أعلنتها من شرع الزواج تمنعهم منه وتشنع عليهم صنيعه.
وقد نص بعض الفقهاء على حرمة ذلك، قال القليوبي في حاشيته على المنهاج: ويصح أن يزوج بنته الصغيرة بهؤلاء (عجوز وأعمى) وإن حرم عليه، قال الجمهور:(انظر: ٣/ ٢٣٠).
فأنت ترى أنهم فرقوا بين صحة العقد وبين حرمته، فالعقد وإن كان صحيحاً، فيه حرمة اتفق عليها الجمهور، وهذا ما يعبر عنه الفقهاء بتعبير آخر يجوز قضاء ويحرم ديانة.
وكثير من الناس لا يردعهم القول بحرمة الشيء عن اتيانه ماداموا يرونه صحيحاً، ولذلك كثر في الأيام الأخيرة تزويج فتيات في مقتبل العمر طمعاً في ثروة الأزواج وجاههم ووراثة ممتلكاتهم، ومن المؤسف أن الفتيات أنفسهن قد يكن راغبات بهذا الزواج للبواعث ذاتها، وهذه البواعث غير كريمة في نظر الخلق ولا مرضية في نظر الشريعة، ومثل هذا الزواج لا يعصم الزواج الفتاة ولا يحقق لها الهناء والاستقرار لذلك وجب أن يتدخل المشرع في منعه، عملاً