(لندن) وحدها ثمانون ألف بنت عمومية (هذا على عهد شوبنهور! .. ) سفك دم شرفهن على مذبحة الزواج ضحية الاقتصار على زوجة واحدة، ونيتجة تعنت السيدة الأوروبية وما تدعيه لنفسها من الأباطيل".
"أما آن لنا أن نعدّ بعد ذلك تعدد الزوجات حقيقة لنوع النساء بأسره"؟ "إذا رجعنا الى أصول الأشياء لا نجد ثمة سبباً يمنع الرجل من التزوج بثانية إذا أصيبت إمرأته بمرض مزمن تألم منه، أو كانت عقيماً، أو على توالي السنين أصبحت عجوزاً، ولم تنجح "المورمون"(فرقة من البروتستانت تبيح تعدد الزوجات وتمارسه فعلاً ولها كنائسها المنتشرة في أوروبا وأمريكا) في مقاصدها إلا بإبطال هذه الطريقة الفظيعة: طريقة الاقتصار على زوجة واحدة (١)".
وتحدث "غوستاف لوبون" في "حضارة العرب" عن تعدد الزوجات عند المسلمين وهو الذي عاش بنفسه سنوات طويلة في بلاد الشرق والاسلام فقال:
"لا نذكر نظاماً اجتماعياً أنحى الأوروبيون عليه باللائمة كمبدأ تعدد الزوجات، كما أننا لا نذكر نظاماً أخطأ الأوروبيون في إدراكه كذلك المبدأ فيرى أكثر مؤرخي أوروبة إتزاناً أن مبدأ تعدد الزوجات حجر الزاوية في الاسلام، وأنه سبب انتشار القرآن، وأنه علة انحطاط الشرقيين ونشأ عن هذه المزاعم الغربية على العموم أصوات سخطٍ رحمة بأولئك البائسات المكدّسات في دوائر الحريم فيراقبهن خصيان غلاظ، ويُقتلن حينما يكرههن سادتهن! ...
ذلك الوصف مخالف للحق، وأرجو أن يثبت عند القارئ الذي يقرأ هذا الفصل بعد أن يطرح عنه أوهامه الأوروبية جانباً، أن مبدأ تعدد الزوجات الشرقي نظام طيب يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تقول به، ويزيد الأسرة ارتباطاً، ويمنح المرأة احتراماً وسعادة لا تراهما في أوروبة.
وأقول قبل إثبات ذلك: إن مبدأ تعدد الزوجات ليس خاصاً بالاسلام، فقد عرفه اليهود والفرس والعرب وغيرهم من أمم الشرق قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ولم تر الأمم التي دخلت الاسلام فيه غنما جديداً إذن، ولا نعتقد مع ذلك وجود ديانة قوية تستطيع أن تحول الطبائع فتبتدع أو تمنع مثل ذلك المبدأ الذي هو وليد جو الشرقيين وعروقهم وطرق حياتهم.
(١) الغلايني في "الاسلام روح المدنية" ص ٢٢٤ (الطبعة الجديدة).