للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا بد لي هنا من ذكر حديث جرى بيني وبين أحد الغربيين يلقي ضوءً على هذا الموضوع.

حين سافرت إلى أوروبا في عام ١٩٥٦ موفداً من جامعة دمشق في رحلة استطلاعية للجامعات والمكتبات العامة، كان ممن اجتمعت بهم في لندن "البروفسور إندرسون" رئيس قسم قوانين الأحوال الشخصية الشرقية في معهد الدراسات الشرقية في جامعة لندن، وجرى بيننا - فيما جرى من الأحاديث - نقاش حول تعدد الزوجات في الإسلام.

سألني أندرسون: ما رأيك في تعدد الزوجات؟

قلت له: نظام صالح يفيد المجتمعات في كثير من الظروف إذا نفذ بشروطه!

قال: أنت إذا على رأي محمد عبده بوجوب تقييده!!

قلت: قريباً من رأيه لا تماماً، فإني أرى أن يقيد بقدرة الزوج على الانفاق على الزوجة الثانية ليمكن تحقيق العدل بين الزوجات كما طلب الإسلام.

قال: وهل مثلك في هذا العصر يدافع عن تعدد الزوجات؟

قلت: إني أسألك فأجبني بصراحة! من كانت عنده زوجة فمرضت مرضاً معدياً أو منفرداً لا أمل بالشفاء منه. وهو في مقتبل العمر والشباب فماذا يفعل؟ هل أمامه إلا ثلاث حالات: أن يطلقها، أو يتزوج عليها، أو أن يخونها ويتصل بغيرها اتصالاً غير مشروع؟

قال: بل هناك رابعة، وهي: أن يصبر ويعف نفسه عن الحرام.

قلت: وهل كل انسان يستطيع أن يفعل ذلك؟

قال: نحن المسيحيين نستطيع أن نفعل ذلك بتأثير الإيمان في نفوسنا.

فتبسمت وقلت: أتقول هذا وأنت غربي؟ أنا أفهم أن يقول هذا القول مسلم أو مسيحي شرقي، فقد يسطيع أن يكف نفسه عن الحرام، لأن محيطه لا يهيء له وسائل الاختلاط بالمرأة في كل ساعة يشاء وأنى يشاء، ولأن تقاليده وأخلاقه لا تزالان تسيطران على تصرفاته، ولأن الدين لا يزال له تأثير في بلاده.

<<  <   >  >>