شدة مرضه لا يستطيع المشي، فكان يحمل من بين زوجة الى بيت زوجة أخرى حتى إذا ثقل عليه المرض، استأذن زوجاته في أن يظل عند عائشة تمرِّضه، فلما أذنّ له وعلم رضاهن بذلك انتقل الى بيت عائشة وظل عندها حتى توفي بعد ليالٍ صلوات الله وسلامه عليه!
أنا لا أرى تعبيراً عن انسانية الاسلام وأخلاقيته ومثاليته في تعدد الزوجات أبلغ من هذا المثال ..
وكان من إصلاح الاسلام في هذا الأمر أن ربى ضمير الزوج المسلم على خوف الله ومراقبته، ورغبته في ثوابه إن نفذ أوامره، وخشيته من عذابه إن خالفها، وبذلك كان مع زوجاته لا رجلاً مستعلياً مستبداً يتحكم بهن كما يشاء، بل مؤمنا حاكما على ضميره، مراقباً بنفسه لنفسه فيما يكون قد قصر من حق نحو إحدى زوجاته أو أساء من معاملة.
ومثل هذه التربية تجعل التعدد - حين تقتضيه ظروف الانسان الشخصية أو ظروف المجتمع العامة - قليل المساوئ، قليل الاضرار، فلا بيت تنهكه العداوات، ولا أولاد تفرق بينهم الخصومات، وكل ما في الأمر غيرة لا بد منها تكبح الزوجة المسلمة جماحها بأدب الإسلام، وتعفى آثارها بحسن طاعتها لزوجها وقيامها بحقه ...
ونشأ البيت الاسلامي في العصور الأولى، تعمره الفضيلة، ويملؤه الحب، ويشيع في جنباته الوفاء والاخلاص، لا فرق في ذلك بين البيت ذي الزوجة الواحدة، وهو الأكثر، وبين البيت ذي الزوجتين، وهو الغالب في التعدد، وبين البيت ذي الزوجات الثلاث أو الأربع، وهو القليل في حالات التعدد ..
وكان للتعدد أثره في حروب الفتح، فمن المعلوم أن المعارك الإسلامية مع أعداء الإسلام استمرت منذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فدولة الخلفاء الراشدين فالأمويين، فعهد غير قصير من أيام العباسيين. مرحلة امتدت أكثر من مائتي سنة، تتلاحق فيها المعارك في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وفي المعارك ضحايا من شهداء ومشوهين وأسرى ومفقودين، ومع ذلك فلم يشك الجيش الاسلامي يوماً من تناقص المحاربين! ولقد خاضت أوروبا معركتين خلال ربع قرن، ففني من رجالها عشرات الملايين، وأصبحت لها مشكلتها الاجتماعية الكبرى: نقصان الرجال وكثرة النساء، فكيف استطاع