وإذا كانت الغالبية ترى أن وسائل الإعلام تقدم للأطفال تثقيفا، على اعتبار أن الثقافة طريقة حياة فإن تثقيف الطفل من شأنه أن يجعله يعيش حياته بطريقة أكثر فعالية، ولن يقبل المفهوم الذي يتندر به القلة قائلين إن الثقافة إحدى الكماليات التي لا تتوافر إلا لذوي القدرة على الحصول عليها والاستمتاع بها من أبناء طبقة الصفوة في المجتمع. إن تثقيف الطفل ضرورة حيوية من ضروريات الحياة التي يتحتم تزويد جميع الأطفال بها، بغض النظر عما بينهم من فوارق طبقية. ويبقى السؤال: كيف يتم ذلك وبأي طريقة يمكن التقديم، وما شروط المقدم للرسائل اللازمة لهذا التثقيف؟.
ويميل الكثيرون إلى إرجاع ما يلاحظونه من تباينات وانحرافات في سلوك الطفل إلى واحدة أو أكثر من وسائل الإعلام. والواقع أنه لا يجب النظر إلى الأمر بهذه البساطة فإنه إذا كان تقليد الأطفال للرسائل المقدمة واردا فإن تغيير أنماط السلوك السوية والقيم الأخلاقية الموجودة من السواء إلى الانحراف ليس بالأمر السهل. ويجب الحذر عند تحدثنا عن علاقة سببية بين التعرض لرسائل إعلامية معينة وانحراف سلوك الأطفال. إن الجريمة والعنف في وسائل الإعلام لا يحتمل أن تكون هي المحرك الأول والوحيد للنجاح، بل إنه يجب أن تتوافق هذه الرسائل الإعلامية مع ميول واستعدادات وظروف الطفل الاجتماعية والثقافية.
إن الوسط الاجتماعي الثقافي الذي يعيش فيه الطفل وردود فعل المحيطين به من أفراد الأسرة، وجماعة الأنداد أو ... ليست بمعزل عن اقتراف الأطفال لانحرافات متفاعلة مع ما يقدم بالرسالة الإعلامية ومستوى توافق هؤلاء الأطفال.
ولكن المشكلة الأكثر جوهرية هي نوع ما يقدم ومصدره، ومدى اتفاقه مع قيم وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء الأطفال.
على اعتبار أن الثقافة هي الإمتاع العقلي والوجداني لابتكار الفن والمعرفة، ولما كانت الثقافة غذاء وجدانيا واجتماعيا فكريا محببا يسعى إليه الإنسان سعيا ولا يتلقاه فرضا أو عنفا أو تلقائيا، ولا يساق إليها طوعا أو كرها، وبما أن الثقافة بنت البيئة، ولها مذاقها الخاص في كل بيئة من البيئات، إذن هي إن تجردت من بيئتها فقدت طعمها ورائحتها.