إن ما يصلح لمجتمع معين من أهداف توجه عملية التثقيف، قد لا يناسب مجتمعا آخر، بل إن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها مجتمع في مرحلة معينة من مراحل حياته قد لا تصبح صالحة لنفس هذا المجتمع في مرحلة أخرى نتيجة لما ينتابه من تغير على مر العصور، ويستدعي التخلص من بعضها أو تعديلها في البعض الآخر أو استحداث أهداف جديدة تتناسب مع طبيعة وسمات مرحلة تاريخية معينة في حياة المجتمع، فأهداف أي مجتمع ترتبط ارتباطا وثيقا بتدرج السلم القيمي فيه، وكلما حدث تغيير في هذا السلم القيمي نتيجة للتغير الاجتماعي، كان من الضروري أن يحدث تغيير في أهدافه يتناسب مع هذا التغير القيمي، معنى هذا أن الأهداف لا تمثل شيئا ثابتا جامدا لا يتغير، بل يجب أن تكون المرونة من أهم سماتها لكي تصبح مناسبة، ليس فقط لمجتمعنا المتغير، بل ولاتجاهات تيارات التغير في المجتمع العالمي الذي يعتبر عالمنا جزءا منه يؤثر فيه ويتأثر به في عملية تفاعلية متبادلة لا يتوقف تأثيرها ما دام احتكاكنا واتصالنا مستمرا بالعالم الكبير الذي نعيش في جزء منه، ولكن لن يكون ذلك على حساب النواحي العامة والخطيرة في مجتمعنا الأصيل.
والآن يتعرض الطفل لثقافات متباينة وافرة وعامرة تناقض ثقافة مجتمعه وتراث بيئته الأصلية الذي يجب أن نحافظ عليه باستمرار، ففيه من العراقة والمجد ما يفتخر به كل عربي، وقد لا ينسحب هذا القول على القليل مما يتعرض له الطفل من ثقافة، ويكمن الهدف أولا وأخيرا من وراء ما يتعرض له الطفل في إعداد أجيال صالحة لخدمة الوطن، ويلح السؤال: لمن سأعد هذه الأجيال ولماذا؟ إنها تعد لخدمة أرض عربية إسلامية تتميز بثقافة متميزة وتراث أصيل يطلب من أجياله المقبلة المحافظة عليها في مرونة وعناية، وكيف يكون ذلك إلا من شخص نبت وترعرع وتشبع وأصبح يملأ أعماقه بثقافة ذلك الوطن الذي ينتمي إليه.
إن لم تنبع ثقافة الطفل من أرضه وبيئته التي ينتمي إليها فإن ذلك بعد مساهمة على الانسلاخ من هذه البيئة والتناقض معها في فترة ما.
وإذا كانت هناك ثقافة ما أعدت لشعب ما قصد أطفال هذا المجتمع وذلك الشعب ثم مراهقيه ثم شبابه، وها نحن الآن نستعين بثقافات متباينة من أجل