قال أهل السير: لما قدم أبو جعفر المنصور المدينة سنة أربعين ومائة أمر بستور فستر بها صحن المسجد على عمد لها رءوس كقريات الفساطيط وجعلت في الطيقان، فكانت الريح تدخل فيها فلا يزال العمود يسقط على الإنسان فغيرها وأمر بستور هي أكثف من تلك الستور وبحبال، فأتي بها من جدة من حبال السفن المتينة، وجعلت على تشبيك حباله اليوم، وكانت تجعل على الناس كل جمعة فلم يزل كذلك حتى خرج محمد بن عبد الله بن حسن يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين ومائة، فأمر بها فقطعت ذرائع لمن كان يقاتل معه، فتركت حتى كان زمن هارون أمير المؤمنين١ فأحدث هذه الأستار، ولم تكن في زمن بني أمية.
أنبأنا ذاكر بن كامل عن الحسن بن أحمد بن محمد الحداد عن أبي نعيم الحافظ عن أبي جعفر الخلدي قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن الحسن بن زبالة قال: حدثني حسين بن مصعب قال: أدركت كسوة الكعبة يؤتى بها المدينة قبل أن تصل إلى مكة فتنشر على الرضراض في المسجد ثم يخرج بها إلى مكة وذلك في سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين ومائة.
ذكر المصاحف التي كانت بالمسجد:
قال مالك بن أنس: أرسل الحجاج بن يوسف إلى أمهات القرى بمصاحف فأرسل إلى المدينة بمصحف منها كبير وكان في صندوق عن يمين الأسطوان التي عملت على مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان يفتح يوم الجمعة والخميس فيقرأ فيه إذا صليت الصبح، وبعث المهدي بمصاحف لها أثمان، فجعلت في صندوق عن يسار السارية، ووضعت منابر لها كانت تقرأ عليها، وحمل مصحف الحجاج في صندوقه فجعل عند الأسطوان التي عن يمين المنبر، وإلى الأسطوان الأخرى التي تليها صندوق آخر فيه مصحف بعث به المهدي؛ ليقرأ فيها الناس على طبقة منبر صحيح، وفي القبلة صندوق لاصق بالمقصورة فيه مصاحف يقرأ الناس فيها تصدقت بها حسنة أم ولد المهدي، ووضع رجل من أهل البصرة يقال له أبو يحيى صندوقا وجمع فيه مصاحف يتعلم فيها الأميون والأعاجم، قلت: وأكثر هذه المصاحف المذكورة دثرت على طول الزمان وتفرقت أوراقها فهو مجموع في يومنا هذا في خلال المقصورة إلى جانب باب مروان، وفي الحرم عدة مصاحف موقوفة، بخطوط ملاح مخزونة في خزانتين من ساج بين يدي المقصورة خلف مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وهناك