للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منكم"، ولما اشتد به وجعه -صلى الله عليه وسلم- جاءه بلال يؤذنه بصلاة الفجر من يوم الاثنين، قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس"؛ فلما تقدم أبو بكر يصلي بالناس وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خفة فخرج على الناس قال أنس: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس وهم يصلون الصبح فرفع الستر وقام على باب عائشة فكان المسلمون يفتتنون في صلاتهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رأوه فرحا به وتفرجوا؛ فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم قال: وتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرورا لما رأى من هيئتهم في صلاتهم وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن هيئة منه تلك الساعة، قال أبو بكر بن أبي مليكة: فلما تفرج الناس عرف أبو بكر أنهم لم يفعلوا ذلك إلا لرسول الله فنكص عن مصلاه فدفعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طهره وقال: "صل بالناس" وجلس الرسول إلى جانبه فصلى قاعدا عن يمين أبي بكر فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس فكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول: "يا أيها الناس سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم وإني والله ما تمسكون علي بشيء إني لم أحل إلا ما أحل القرآن ولم أحرم إلا ما حرم القرآن"؛ فلما فرغ -صلى الله عليه وسلم- من كلامه قال له أبو بكر: يا نبي الله إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما نحب واليوم يوم بنت خارجة أفآتيها؟ قال: نعم قال: ثم دخل عليه السلام وخرج أبو بكر إلى أهله بالسيح وخرج يومئذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الناس من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له الناس: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا، قال: فأخذ العباس بيده، وقال: يا علي أحلف بالله لقد رأيت الموت في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب.

وفي صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة في شكواه الذي قبض فيه فسارها بشيء؛ فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت فسألتها عن ذلك فقالت: سارني أنه يقبض في وجعه فبكيت ثم سارني أني أول أهله لحوقا به فضحكت، وفيه من حديثها أيضا أنها قالت: إن من نعم الله علي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي في بيت وفي يومي وبين سحري ونحري وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل علي عبد الرحمن بن أبي بكر وأنا مسندة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى صدري ومعه سواك رطب يستن به؛ فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته وطيبته ثم دفعته إليه فاستن به فما رأيت النبي عليه السلام استن استنانا قط أحسن منه وبين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: "لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات" ثم نصب يديه فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى" حتى قبض ومالت يده.

قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو صحيح يقول إنه لن يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير؛ فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على

<<  <  ج: ص:  >  >>