فخذي غشي عليه فلما أفاق شخص بصره نحوه سقف البيت ثم قال:"اللهم في الرفيق الأعلى"؛ فقلت: إذا لا يختارنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح.
وقالت عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله عليه السلام وأصغيت إليه قبل أن يموت وهو مسند إلى ظهره يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى"، ولما تغشاه الموت قالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أباه، قال لها:"ليس على أبيك كرب بعد اليوم"، قالت عائشة: وثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجري فنظرت في وجهه وإذا بصره قد شخص وهو يقول:"بل الفريق الأعلى في الجنة"، وقبض -صلى الله عليه وسلم، قالت: فوضعت رأسه على وسادة وقمت أندب مع النساء أضرب وجهي وقالت فاطمة رضي الله عنها تندبه: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه في جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، وقال جبريل للنبي عند موته: يا أحمد هذا آخر وطئي في الأرض ولا أنزل إليها أبدا بعد إنما كانت حاجتي من الدنيا، وكانت وفاته -صلى الله عليه وسلم- حين اشتد الضحى من يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة عن ثلاث وستين سنة من عمره وكمل بالمدينة من يوم دخلها إلى يوم مات عشر سنين كوامل مبلغا لرسالات الله مجاهدا لأعدائه. ولما توفي رسول الله قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد توفي، وإن رسول الله ما مات؛ ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى فإنه غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ووالله ليرجعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه قد مات، قالوا: وأقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسيح فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فيمم رسول الله وهو مسجى بثوب حبرة فشكف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال: بأبي وأمي أنت والله لا يجمع الله عليك موتتين: أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها، ثم لن يصيبك بعدها موتى أبدا ثم رد البرد على وجهه وخرج عمر بن الخطاب يكلم الناس فقال: على رسلك يا عمر أنصت فأبى إلا أن يتكلم؛ فلما رآه أبو بكر لا ينصب أقبل على الناس؛ فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال: ثم تلا هذه الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران: ١٤٤] قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ قال: وأخذها الناس عن أبي بكر فهي في
أفواههم قال عمر: فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله قد مات، ولما مات رسول الله قالوا: والله لا يدفن، ومات مات وإنه ليوحى إليه فأخروه حتى أصبحوا من يوم الثلاثاء وقال العباس: إنه قد مات