للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى البخاري في الصحيح من حديث هشام بن عمرو عن أبيه قال: لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنيانه فبدت لهم قدم ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فما وجدوا أحدا يعلم ذلك حتى قال لهم عروة: لا والله ما هي قدم النبي، وما هي إلا قدم عمر، قالوا: وأمر عمر أبا حفصة مولى عائشة وناسا معه فتبوءوا الجدار وجعلوا فيه كوة؛ فلما فرعوا منه ورفعوه دخل مزاحم مولى عمر؛ فرفع ما سقط على القبر من التراب والطين ونزع القباطي. قالوا: وباب البيت الذي دفنوا فيه شامي، قلت: وبنى عمر بن عبد العزيز على حجرة النبي حاجزا من سقف المسجد إلى الأرض وصارت الحجرة في وسطه وهو على دورنها.

ولما ولي المتوكل الخلافة أمر إسحاق بن سلمة، وكان على عمارة مكة والمدينة من قبله بأن يأزر الحجرة بالرخام من حولها؛ ففعل ذلك وبقي الرخام عليها إلى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة من خلافة المقتفي، فجدد تأزيرها جمال الدين وزير بني زنكي وجعل الرخام حولها قامة وبسطة وجعل لها شباكا من خشب الصندل والأبنوس وأداره حولها مما يلي السقف، قيل: إن أبا الغنايم النجار البغدادي عمله أروانكا، وفي دورانه مكتوب على أقطاع الخشب إلا روانك سورة الإخلاص صنعة بديعة ولم تزل الحجرة على ذلك حتى عمل لها الحسين بن أبي الهيجاء صهر الصالح وزير الملوك المصريين ستارة ديبقية بيضاء وعليها الطرز والجامات المرقومة بالإبريسم الأصفر والأحمر وخيطها، وأدار عليها زنارا من الحرير الأحمر والزنار مكتوب عليه سورة يس بأسرها، قيل: إنه غرم على هذه الستارة مبلغا عظيما من المال، وأراد تعليقها على الحجرة فمنعه قاسم بن مهنا الأمير على المدينة وقال: حتى يستأذن الإمام المستضيء١ بأمر الله فبعث إلى العراق يستأذن في تعليقها فجاء الإذن في ذلك فعلقها نحو العامين ثم جاءت من الخليفة ستارة من الإبريسم البنفسجي عليها الطرز والجامات البيض المرقومة وعلى دوران جاماتها مكتوب بالرقم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي: وعلى ظاهرها اسم الإمام المستضيء بأمر الله فرفعت تلك وأنفذت إلى مشهد علي بن أبي طالب بالكوفة فعلقت هذه عوضها؛ فلما ولي الإمام الناصر لدين الله٢ أرسل ستارة أخرى من الإبريسم الأسود أيضا على شكل المذكورة؛ فأنفذتها فعلقت عليها حتى يومنا هذا على الحجرة ثلاث ستائر بعضهن على بعض. وفي سقف المسجد -الذي بين القبلة والحجرة على رأس الزوار إذا وقفوا- معلق نيف وأربعون قنديلا كبارا وصغارا من الفضة المنقوشة


١ تولى الخلافة من عام ٥٦٦ حتى عام ٥٧٦هـ في بغداد.
٢ هو ابن المستضيء، ولي الخلافة العباسية مدة طويلة ٥٧٦-٦٢٢هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>