للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غير صلاة، وما يؤيد كونه صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة في دخوله هذا: إغلاق الباب عليه فيها كما في الصحيحين١ وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما للحكمة التي ذكرها العلماء في إغلاق الباب في دخوله هذا، وهي لئلا يكثر الناس عليه، فلا يتمكن من الصلاة في الكعبة على ما يريد صلى الله عليه وسلم وقيل: الحكمة في ذلك ليصلي صلى الله عليه وسلم إلى كل جهة من الكعبة، فإن الباب إذا كان مفتوحا وليس أمامه قدر مؤخرة الرحل لم تصح الصلاة إليه لعدم استقبال شيء من الكعبة، وذكر هذين القولين المحب الطبري في "القرى" واستظهر القول الأول، وذكر أنه يتأيد بكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة أكثر من ركعتين على ما صح عنه.

وأما الأوجه التي نقلناها عن العلماء في الجمع بين اختلاف خبر بلال، وأسامه، وابن عباس رضي الله عنهم في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فإن أقربها إلى الصواب ما قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة لما غاب عنه أسامة ليأتيه بماء يمحو به الصور التي رآها في الكعبة، فرأى ذلك بلال رضي الله عنه فأثبت الصلاة، ولم يره أسامة فنفاها، وإنما كان هذا الوجه أقرب إلى الصواب من الوجوه الأخر لقيام الدليل على ما يؤيده، وهو الحديث الذي رويناه في "مسند أبي داود الطيالسي" ولفظه: حدثنا ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران قال: حدثني عمير مولى ابن عباس، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة، ورأى صورا، فدعا بدلو من ماء، فأتيته به، فجعل يمحوها ويقول: "قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون".

قلت: رجال هذا الحديث ثقات، فإن ابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن الإمام المشهور، وشيخه عبد الرحمن بن مهران وثقه النسائي، وابن سعد، وابن حبان، وشيخه عمير روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، ويتأيد هذا الحديث بالحديث الذي رواه ابن المنذر في هذا المعنى ولم أر سنده فيه، والله أعلم.

وأما الوجه الذي ذكره النووي في الجمع بين الاختلاف في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، فإنه وإن جاز وقوعه، ففيه بعد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة هو وأسامة، وبلال رضي الله عنهما ومن دخل معه، إما أن يكون اشتغل بعد دخوله بالصلاة فيه


١ راجع البخاري ٣/ ٣٧١, ٣٧٢ في "الحج، باب إغلاق البيت وباب الصلاة في الكعبة"، وفي "القبلة، باب قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} ، وفي "المساجد، باب الأبواب والغلق. للكعبة والمساجد"، وفي "سترة المصلي، باب الصلاة بين السواري في غير جماعة" وفي "التطوع: باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى"، في "الجهاد: باب الردف على الحمار"، وفي المغازي: باب حجة الوداع"، ومسلم "١٣٢٩" في "الحج، باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره".

<<  <  ج: ص:  >  >>