قبل اشتغاله بغيرها مما صنعه في الكعبة، أو بدأ قبل الصلاة بالذكر والدعاء ونحو ذلك مما صنعه في الكعبة، فإن كان الأول: فكيف يخفى على أسامة رضي الله عنه؟ وإن كان الثاني وهو مقتضى كلام النووي فالحال يقتضي أن أسامة رضي الله عنه يلزم النبي صلى الله عليه وسلم ليقتدي به فيما يسمعه من دعواته الخيرية الجامعة النافعة، وحسن ثنائه على الله تعالى، وأن لا ينفرد عنه بمكان في الكعبة يدعو فيه ويذكر حتى لا يعلم ما يصنع النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
وأما الوجه الذي ذكره ابن حبان في الجمع بين الاختلاف في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة فإن فيه نظرا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة يوم فتح مكة، ودخل معه يومئذ أسامة، وبلال، وعثمان بن طلحة والفضل بن عباس رضي الله عنهم، على خلاف في الفضل، وحديث دخول الفضل معهم في مسند أحمد بن حنبل وسنن النسائي.
ولفظ أحمد: حدثنا هشيم قال: أنبأنا غير واحد، وابن عون، عن نافع، عن ابن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ومعه الفضل بن العباس وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، وبلال.... الحديث.
وإسناد هذا الحديث صحيح، ولكن في صحيح مسلم ما يخالفه، على ما سيأتي بيانه.
وثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن بلالا رضي الله عنه أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة لما دخلها يوم فتح مكة، وثبت من حديث أسامة والفضل رضي الله عنهما نفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، وليس في حديثهما التصريح بالزمن الذي نفيا فيه الصلاة، في حجة الوداع، لما قال ابن حبان، والأول أشبه بالصواب، لأنه إذا دار الأمر بين حمل حديثهما من نفي الصلاة على زمن ثبت دخولهما فيه إلى الكعبة، وبين حمل ذلك على زمن لم يثبت لهما فيه دخوله، فحمله على الزمن الذي ثبت دخولهما فيه أولى، وفي حمله على الوجه الذي ذكره ابن حبان إشكال، لأن ذلك يستلزم دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في حجة الوداع، ودخول أسامة رضي الله عنه ومن نفى معه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، ولم يرد خبر يشعر بذلك، فكيف يحمل على ذلك حديث من نفى الصلاة في الكعبة كما قال ابن حبان.
ولا يعارض ذلك حديث عائشة رضي الله عنها لدخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في حجة الوداع. ولفظه: قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس فرجع إلى وهو حزين، فقلت له: فقال: "إني دخلت الكعبة ووددت أني لم أكن دخلت، إني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي". لأن في إسناد هذه الحديث من نسب إلى