للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة بأئمة متعددة، وجماعات مترتبة بحرم الله تعالى، وعدم جوازها على مذاهب العلماء الأربعة. ثم إن بعض الناس استفتى في ذلك بعض علماء الإسكندرية، فأفتوا بخلاف ما رآه ابن الحباب، والذي أفتى بذلك. شداد بن المقدم، وعبد السلام بن عتيق، والشيخ أبو طاهر بن عوف بن الزهري.

ولما وقف ابن الحباب على فتاويهم أملى في الرد عليهم أشياء كثيرة حسنة، ونقل إنكار ذلك عن جماعة من العلماء. الشافعية، والحنفية، والمالكية، حضروا الموسم بمكة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، فمن الشافعية: أبو النجيب مدرس النظامية، ويوسف الدمشقي صاحب أسعد البهتي، ونقل عنهما أنهما قالا: وأما صلاة المغرب فهي أشنع وأبشع، وأقره العطاري في بقية فقهاء نيسابور، ومحمد بن جعفر الطائي يعني صاحب الأربعين. ومن الحنفية: الشرف الغزنوي. ومن المالكية: عمر المقدسي، وأقام الدلالة على فسادها، وأنها مخالفة لرأي مالك وأصحابه، وذكر ابن الحباب أن أبا بكر الطرسوسي، ويحيى الزياتي شيخ شداد بن المقدم لم يصليا خلف إمام المالكية بالحرم الشريف ركعة مع كونه مغموصا عليه، قال: ولا شيء أقبح من جهل الإنسان بحال شيوخه.

وأما وقت حدوثهم: فلم أعرفه تحقيقا، ورأيت ما يدل على أن الحنفي والمالكي كانا موجودين في سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وأن الحنبلي لم يكن فيه موجودا وذلك لأن الحافظ أبا طاهر السلفي١ حج في هذه السنة، ورأى فيها أبا محمد بن العرضي القروي المقرئ إمام مقام الخليل عليه السلام وذكر أنه أول من يصلي من أئمة الحرم المقدسي قبل المالكية والحنفية والزيدية ... انتهى.

ووجه الدلالة من هذا على ما ذكرناه من أن الحنبلي لم يكن موجودا في هذه السنة: عدم ذكر السلفي له، وذكره لإمام الزيدية، ولو كان الحنبلي موجودا حينئذ لذكره السلفي، فإنه أولى بالذكر من إمام الزيدية، والله أعلم.

ووجدت ما يدل على أنه كان موجودا في عشر الأربعين وخمسمائة، وقد ذكرت ذلك في أصل هذا الكتاب، والله أعلم.

وكان بعض المتعصبين على الحنابلة قلع حطيمهم من مكة، لأن أبا المظفر سبط ابن الجوزي قال في كتابه "مرآة الزمان" في ترجمة "مرجان" خادم المقتفي العباسي٢ بعد


١ هو: أحمد بن محمد الأصفهاني السلفي، صاحب كتاب "معجم السفر" المتوفى سنة ٥٧٦هـ.
٢ هو: أبو عبد الله الحسيني المقتفي لأمر الله، بويع بالخلافة سنة ٥٣٠هـ واستمر فيها إلى أن توفي سنة ٥٥٥هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>