للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله بمكة، وأخبرني عن أبيه: أنه لما اشتد به الاستسقاء خرج يتعرض لطبيب بمكة، فأعرض عنه الطبيب الذي قصده، فأنكر خاطره لذلك، وألقى الله تعالى بباله أن يشرب من ماء زمزم للحديث الوارد في أنه لما شرب له، فقصد زمزم، واستسقى بدلو، فشرب منها حتى تضلع، وأنه بعد أن تضلع منه أحس بانقطاع شيء في جوفه، فبادر حتى وصل إلى رباط السدرة ليستنجي به، فما وصل إليه إلا وهو شديد الخوف من أن يلوث في المسجد، فألقى شيئا كثيرا، ثم عاد إلى زمزم فشرب منه ثانيا حتى تضلع، وأخرج شيئا كثيرا، ثم صح، وبينما هو في بعض الأيام برباط ربيع بمكة يغسل ثوبا له وهو يطؤه برجله، وإذا بالطبيب الذي قد أعرض عن ملاطفته، فقال له: أنت صاحب تلك العلة؟ قال: نعم، قال له: بِمَ تداويت؟ قال: بماء زمزم، فقال الحكيم: لطف بك. قال: وبلغني عن ذلك الحكيم أنه قال حين رآه أولا: هذا ما يعيش ثلاثة أيام. هذا ما أخبرني به الفقيه عبد الله ابن الفقيه أبي بكر الشنيني المذكور عن أبيه، في خبر مرضه بالاستسقاء وخبر استشفائه بماء زمزم، وهذه الأخبار مما تؤيد صحة حديث "ماء زمزم لما شرب له" مع أنه صحح بالإسناد كما سبق بيانه.

ولم ينصف ابن الجوزي في ذكره هذا الحديث في كتاب "الموضوعات" لكونه صحيحا أو حسنا، كما سبق بيانه، ويتعجب من هذا، لأنه روى في كتاب "الأذكياء" له بإسناده إلى سفيان قصة فيها أنه قال: هذا الحديث صحيح١، ولم يتعقب ذلك، وليس بين هذا الحديث وحديث "الباذنجان" لم أكل له" تساو في الثبوت، لأن حديث "ماء زمزم" صحيح أو حسن، وحديث الباذنجان" غير صحيح. بل هو موضوع على ما بلغني عن العلامة الكبير شمس الدين بن قيم الجوزية الحنبلي، وقال لي شيخنا الحافظ نور الدين الهيثمي: إنه موضوع، وضعه بعض الزنادقة ليشين به الشريعة، هذا معنى كلام شيخنا نور الدين الهيثمي.

وأنبأني شيخنا الحافظ العراقي قال: وأما ما اشتهر على ألسنة الناس، بل على ألسنة كثير من أهل العلم، أن حديث "الباذنجان لما أكل له"، أصح من حديث "ماء زمزم لما شرب له"، فلا يصح ذلك بوجه من الوجوه، ولم نجد لحديث الباذنجان أصلا إلا في أثناء حديث "مسند الفردوس" بإسناد مظلم، وليس له أصل في كتب الإسلام المتداولة بين الناس، وذكر أن مؤلف مسند الفردوس كثير الأوهام ... انتهى مختصرا.

ورويناه في خبر ابن عكيك بإسناد ساقط.

ومن خواص ماء زمزم: أنه يبرد الحمى لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما في سنن النسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو في صحيح البخاري على الشك.


١ الأذكياء "ص: ٩٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>