وانشقاق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم من معجزاته الباهرة المتواترة بنص القرآن العظيم، في قوله:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَر}[القمر: ١] ، وثبوتها في السنة الصحيحة الشريفة من حديث أنس، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم وحديثهم في صحيح مسلم١. وروي من حديث علي بن أبي طالب، وجبير بن مطعم، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين، ولا عبرة باستبعاد كثير من الملاحدة الانشقاق، فإن ذلك شقاوة منهم، وإنكار لأمر محسوس متواتر وقوعه في النقل، ولم يستحل جوازه في العقل.
وفي "الشفاء" للقاضي عياض ذكر حجتهم في ذلك والرد عليهم بما فيه الكفاية ونشير هنا لشيء من ذلك، قال فيما رويناه عنه: ولا يلتفت إلى اعتراض مخذول بأنه لو كان هذا لم يخف على أهل الأرض، إذ هو شيء ظاهر لجميعهم، أنه لم تنقل الناس لنا عن أهل الأرض أنهم رصدوه تلك الليلة، فلم يروه انشق، ولو نقل إلينا عمن لا يجوز غالبهم على الكذب لكثرتهم لما كانت به علينا حجة، إذ ليس القمر في حد واحد لجميع أهل الأرض، فيه يطلع على قوم قبل أن يطلع على آخرين وقد يكون من قوم بضد ما هو من مقابلتهم من أقطار الأرض ... إلى آخر كلامه.
وذكر القطب الحلبي وجها في الرد على من استبعد ذلك، فقال: ويحتمل أن يكون خرق العادة في ذلك الوقت لصرف جميع أهل الأرض عن الالتفات إليه في تلك الساعة، ليخص أهل مكة بهذه الآية التي طلبوها ... انتهى.
ومن فضائل جبل أبي قبيس: أنه كان يدعى الأمين، لأن الحجر الأسود استودع فيه زمن الطوفان، فلما بنى إبراهيم الخليل عليه السلام البيت، نادى أبو قبيس: الركن مِنِّي بمكان كذا وكذا، وجاء جبريل عليه السلام فوضعه موضعه من الكعبة.
ومن فضائله: أن الدعاء فيه يستجاب، لأن الفاكهي ذكر في خبر وفد عاد للاستسقاء لقومهم بسبب جدب بلادهم: أنهم نزلوا على بكر بن معاوية سيد العماليق يومئذ بمكة، فأقاموا عنده شهرا يسقيهم الخمر، ويطعمهم اللحم، وتغنيهم الجرادتان، فلهوا عما جاءوا له، واستحيا بكر من مشافهتهم بذلك، فعمل شعرا غنتهم به الجرادتان، فأقاموا من غفلتهم، فنهضوا، فلما رآهم بكر بن معاوية قال لهم: اعلوا هذا الجبل يعني أبا قبيس، فإنه لم يعله خاطئ يعرف الله تعالى منه الإنابة إلا أجابه إلى ما دعاه إليه، وذكر بقية الخبر في دعاء كل من الوفد، واستجابة دعائه، وما ذكرناه منه باللفظ وبعضه بالمعنى.