للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على وقوع الانشقاق بمكة: الحديث الذي رويناه في مسند عبد بن حميد ولفظه: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة مرتين، فنزلت {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: ١] إلى قوله: {سِحْرٌ مُسْتَمِرّ} [القمر:٢] . وأخرجه الترمذي: عن عبد بن حميد، فوقع لنا موافقة له عالية بدرجتين بالنسبة إلى روايتنا المتصلة بالسماع، وفي بعض طرق حديث أنس رضي الله عنه: سأل أهل مكة النبي صلى الله علبيه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر فرقتين حتى رأوا حراء بينهما.

وذكر القاضي عياض في "الشفا": أن مسروقا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الانشقاق كان بمكة، وروى ذلك أبو يعلي في مسنده من حديث ابن مسعود رضي الله عنه على ما نقل بعض مشايخنا١، وروينا من حديث ابن مسعود رض الله عنه أيضا ما يقتضي أن الانشقاق كان بمنى، لأن مسلما قال في صحيحه: وحدثنا منجاب بن الحرب التميمي واللفظ له. أخبرنا ابن مسهر، عن الأعمش بن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا" ٢.

ولا تعارض بين رواية من روى أن الانشقاق كان بمكة، وبين رواية من روى أنه كان بمنى، لأن سبب الانشقاق أن بعض المشركين سأل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر، وأظهره الله تعالى هكذا ليراه من بمكة وحولها، تصديقا لنبيه صلى الله عليه وسلم، في المعجزة التي طلبت منه، فإن بعض المشركين تردد في ذلك وعد ذلك سحرا، وأحال بعضهم الأمر في صحة ذلك على السُّفّار، فأخبر السُّفّارُ عند قدومهم برؤيتهم القمر منشقا، حتى أنه رؤي هكذا في آفاق مكة على ما ذكره القطب الحلبي.

ونقل القاضي عياض، عن السمرقندي، عن الضحاك: أن أبا جهل بن هشام، هو القائل، هذا سحر، وأنه قال: فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى ينظروا أرأوا ذلك أم لا؟ فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا، فقال -يعنى للكفار: هذا سحر مستمر ... انتهى.

وروينا معنى ذلك في مسند أبي داود الطيالسي، لأن فيه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وانشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، قال: فقالوا انظروا ما يأتيكم به السفار، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فجاء السفار فقالوا ذلك ... انتهى.


١ الشفاء ١/ ٢٨١.
٢ أخرجه مسلم "الفضائل: ٢٨٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>