وفي أبي قبيس على ما يقال قبر شيث بن آدم وأمه حواء، لأن الذهبي قال في الجزء الذي ألفه في تاريخ مدة آدم وبنيه ما نصه: وخلفه بعده ابنه شيث، وأنزلت عليه خمسون صحيفة، وعاش تسعمائة سنة، ودفن مع أبويه في غار أبي قبيس ... انتهى.
ومن خط الذهبي نقلت ذلك، والله أعلم.
وفي أعلى جبل أبي قبيس موضع يقول الناس فيه: انشق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولم أر ما يدل لصحة هذه المقالة، بل رأيت ما يدل على أن الانشقاق وقع في هذا الجبل في غير هذا الموضع الذي يقوله الناس، لأن أبا نعيم روى بسنده إلى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ذلك كان -ويعني انشقاق القمر- ليلة أربع عشرة، فانشق القمر نصفين، نصفا على الصفا، ونصفا على المروة ... انتهى.
والصفا: من جبل أبي قبيس على ما قال العلماء: وهو بأسفله ويروى من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ما يقتضي أن القمر انشق على أبي قبيس من غير بيان موضعه، وهذا في كتاب الفاكهي، لأنه روى بسنده إلى ابن جريج، عن مجاهد شيئا في انشقاق القمر، ثم عقب ذلك بقوله قال: أخبرني أبو معمر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: رأيت القمر ينشق شقين مخرج النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، شقة على أبي قبيس، وشقة على كُدَي وكداء ... انتهى باختصار.
وما عرفت المراد بكدي وكداء: هل الثنية السفلى لمقابلتها لأبي قبيس، أو مكان آخر، ويتأكد كون الثنية السفلى بأن القطب الحلبي ذكر شيئا في انشقاق القمر، قال: كان يرى نصفه على قعيقعان١. ونصفه الآخر على أبي قبيس ... انتهى.
وقعيقعان عنده الثنية السفلى، وهي على مقتضى ما ذكر المحب الطبري: الثنية التي بني عليها باب مكة المعروف بباب الشبيكة، ولعلها من قعيقعان، والله أعلم.
وقوله: نصفا على الصفا في الخبر الذي ذكره أبو نعيم لا يعارض قول ابن مسعود رضي الله عنه شقة على أبي قبيس وقول القطب الحلبي: ونصفه على أبي قبيس لما سبق من قول العلماء: إن الصفاء من أبي قبيس ... وقوله: ونصفا على المروة: لا يوافق كون المراد بكدي وكداء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثنية السفلى، وما ذكرناه عن القطب الحلبي مذكور في كتابه "المورد العذب الهني في شرح سيرة عبد الغني المقدسي" وعليه اعتمدت في نقل الحديث الذي نقلناه عن أبي نعيم، لأنه في كتابه المذكور، وقال بعد ذكره له: فعلى هذا يكون الانشقاق بنفس بلد مكة ... انتهى.
١ قعيقعان: بالضم ثم الفتح، بلفظ تصغير، اسم لجبل بمكة "معجم البلدان ٤م ٣٧٩".