وأما الوجه الرابع: فالنظر فيه كالنظر في الوجه الثالث، لأنه إذا كان الوجه الثالث غير المراد لما فيه من المخالفة لما ذكره الإمام الأزرقي بسبب الزيادة، فالوجه الرابع غير المراد من باب أولى، لكثرة الزيادة فيه على الزيادة التي في الوجه الثالث، خصوصا إذا قيل إن المراد موضع جدار البيت المشرف على الصفا، فإن من العقد الوسط إليه: سبعة عشر ذراعا بتقديم السين بذراع الحديد، يكون ذلك بذراع اليد: تسعة عشر ذراعا -بتقديم السين- وثلاثة أسباع ذراع، والله أعلم.
وإذا كان في كل من هذه الوجوه نظر، تعين أن يكون المراد الوجه الثاني، لموافقته كلام الأزرقي، لأن من أول الفرشة التي تحت الدرجات الثلاث إلى آخر الفرشة التي فوقها تحت الدرجة التي تحت العقد الوسط: عشرة أذرع باليد، وذلك هو العقد الزائد على ما ذكره الأزرقي في مقدار ما بين الحجر الأسود والصفا، وإنما ذكر الأزرقي ذرع ما بين الحجر الأسود والصفا ليبين أن ما وراء ذلك محل للسعي، والفرشة السفلى المشار إليها من وراء الذرع المذكور فتكون محلا للسعي على هذا، ويصح إن شاء الله تعالى سعي من وقف عليها، فلا يقصر الساعي عنها، ولا يجب عليه الرقي على ما وراءها، والله أعلم.
والفرشة المشار إليها: هي التي سبق أن التراب يعلو عليها، وأما الكلام الموهم بخلاف ذلك فهو ما ذكره المحب الطبري في "شرح التنبيه"، لأنه قال: وبني في ذيل الصفا درج، فينبغي أن يحتاط مريد السعي بالرقي عليها، فإن الأرض ربت بحيث يرى البيت من غير رقي ... انتهى.
ومن ذلك ما ذكره النووي في "الإيضاح"، لأنه قال: إن من واجبات السعي أن يقطع جميع المسافة بين الصفا والمروة، فلو بقي منها بعض خطوة لم يصح سعيه، حتى لو كان راكبا، واشترط أن تسير دابته حتى تضع حافرها على الجبل أو إليه، حتى لا يبقى من المسافة شيء ويجب على الماشي أن يلصق في الابتداء أو الانتهاء رجله بالجبل، بحيث لا يبقى بينهما فرجة، فيلزمه أن يلصق العقب بأصل ما يذهب منه، ويلصق رءوس أصابع رجليه بما يذهب إليه، فيلصق في الابتداء بالصفا عقبه، وبالمروة أصابع رجليه، فإذا عاد عكس ذلك، هذا إن لم يصعد، فإن صعد فهو الأكمل، وقد زاد خيرا، وليس الصعود شرطا بل هو سنة متأكدة، ولكن بعض الدرج مستحدث فليحذر أن يخلفها وراءه، فلا يتم سعيه، وليصعد بعد أن يستيقن، وقال بعض أصحابنا يجب الرقي على الصفا والمروة بقدر إقامة، وهذا ضعيف، والصحيح المشهور لا يجب، لكن الاحتياط أن يصعد للخروج من الخلاف ... انتهى.
وذكر الأزرقي ذرع ما بين الصفا والمروة، لأنه قال فيما رويناه عنه بالسند المتقدم: ومن الصفا إلى المروة طواف واحد: سبعمائة ذراع وستة وستون ذراعا ونصف ذراع.