قلت: ومن أول هذين المأزمين مما يلي المزدلفة إلى العلمين اللذين هما حد عرفة اثنا عشر ألف ذراع وثلاثة وتسعون -بتقديم التاء- وثلاثة أسباع بذراع اليد المتقدم، وقد ذكرنا في أصل هذا الكتاب مقدار ذلك بالأميال على مقتضى الأقوال الأربعة في مقداره، ومن أول هذين المأزمين مما يلي المزدلفة إلى العلمين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفة ثمانية آلاف ذراع وتسعمائة ذراع -بتقديم التاء- واثنان وعشرون ذراعا، وذكرنا في أصل هذا الكتاب مقدار ذلك بالأميال، ولذلك تركنا ذكره هنا.
الثامن عشر:"محسر" الموضع الذي يستحب الإسراع فيه، هو واد بين منى والمزدلفة على حدهما، وليس منهما، أشار إلى ذلك النووي في "الإيضاح"، والمحب الطبري في "القرى"، وذكر أن في حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما ما يدل على أنه من منى، والحديث في الصحيحين.
ونقل صاحب "المطالع" ما يدل على أن بعض "محسر" من منى، وبعضه من المزدلفة، وصوب ذلك.
وذكر سليمان بن خليل، والمحب الطبري ما يدل على أن "محسر" الموضع الذي يقال له وادي النار، وهو مشهور بذلك إلى الآن، ويقال ذلك أيضا للموضع الذي ينزله الآن بنو حسن بمنى، وبينه وبين محسر فلوات، ولعل ذلك لقربه من محسر، والله أعلم.
ويقال لمحسر: المهلل؛ لأن الناس إذا وصلوا إليه في حجهم هللوا فيه وأسرعوا السير في الوادي المتصل به، والمهلل المشار إليه مكان مرتفع عنده بركتان معطلتان بلحف قرن جبل عال، ويتصل بهما آثار حائط ويكون ذلك كله على يمين الذاهب إلى عرفات ويسار الذاهب إلى منى. ولما عرفه ابن صلاح قال: وأول محسر من القرن المشرف من الجبل الذي على يسار الذاهب إلى منى. ثم قال: وأهل مكة يسمونه وادي النار ... انتهى.
وكون محسر عند الموضع الذي يقال له: المهلل، أمر مشهور عند الناس، والله أعلم. ويتأيد لذلك بأن من رأس المهلل إلى منتهى منى من جهة مكة، فهو طرف العقبة التي هي حد منى سبعة آلاف ذراع ومائة ذراع وتسعة -بتقديم التاء- وثلاثين ذراعا وثلاثة أسباع ذراع بذراع اليد، وذلك يقارب ما ذكره الأزرقي في قدر منى، وهو على ما ذكر سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع١.