للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلطنة بالعراق، عن السلطان أبي سعيد بن خرابندا ملك التتار، وذلك في سنة ست وعشرين وسبعمائة١، ووصلت إلى مكة في العشر الأخير من جمادى الأولى من هذه السنة، وعم نفعها وعظم. وكان جريانها هذا نعمة من الله تعالى ورحمة منه لأهل مكة، فإن الناس كانوا بمكة في جهد عظيم لقلة الماء بمكة.

ولجد والدي لأمه الشيخ دانيال بن علي بن يحيى المرستاني٢ أحد كبار مشيخة العجم بمكة في جريانها سعي مشكور، أجزل الله له ولمن أعانه على ذلك الثواب فيه.

وجملة ما صرف على هذه العين في هذه العمارة: مائة ألف درهم وخمسون ألف درهم على ما قيل، وكانت تحتمل من المصروف زيادة على هذا القدر مثله وأكثر، والسبب في الاقتصار على القدر المعين: الاستغناء به عن غيره بسبب ماء وجد فيها حين عمارتها من العين المعمولة المهيأة من قديم الزمان، وهي أكثر من الثلث وأقل من النصف.

وعمرت بعد ذلك غير مرة في سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وهذه العمارة من جهة السيد الشريف حسن بن عجلان نائب السلطنة بمكة والأقطار الحجازية أعلى الله قدره، وكان دخولها مكة في آخر العشر الأوسط من جمادى الأولى منها، وجرت جريا حسنا بحيث امتلأت منها بركة الماجن بأسفل مكة وتعدى الماء إلى غيرها، وكثر الدعاء له بسبب ذلك لما حصل بها من عظيم النفع، وبيعت منها الراوية بربع مسعودي، بعد أن كانت بدرهمين مسعوديين وأزيد، فلله الحمد والشكر، ثم حصل في جريانها قصور في آخر السنة، ثم انصلح حالها في أول سنة اثنتي عشرة وثمانمائة من غير عمل، ثم تغير حالها قليلا، ثم عمرت وانصلح حالها كثيرا ثم تغير حالها كثيرا في آخر هذه السنة. ثم جرت جريا حسنا في العشر الأخير من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وهي مستمرة على جريانها إلى الآن. غير أن الماء يكثر حينا ويقل حينا، ونسأل الله تعالى تيسير الخير، والشهاب بركوت المكين سلمه الله يحسن في أمرها، لأنه يقوم بمصالحها من سنة ثلاث عشرة وثمانمائة إلى تاريخه، وهو سنة سبع عشرة وثمانمائة.

ثم بعد ذلك قل ماؤها ولقي الناس بمكة شدة بسبب ذلك، وعرف بهذا الأمر مولانا السلطان الأعظم الملك المؤيد أبو النصر شيخ صاحب الديار المصرية والشامية والحمرين، آدام الله تعالى توفيقه وتأييده ونصره، فتطوع بألفي مثقال ذهبا لعمارة هذه العين، لأنه ما زال بمصالح أهل الحرمين كثير الاهتمام، وقد يكون منه عليهم الجزيل من الإنعام. وندب القائد علاء الدين٣ لعمارة ذلك، فشرع في العمارة


١ إتحاف الورى ٣/ ١٨١.
٢ في منتخب شفاء الغرام "ص: ١٢٨": "اللرستاني".
٣ مات في سنة ٨٢٨هـ "الضوء اللامع ١١/ ١٦٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>