للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: وقال أهل العلم: إن جرهما لما طغت في الحرم دخل رجل منهم وامرأة يقال لها إساف ونائلة البيت ففجرا فيه فمسخهما الله تعالى حجرين، فأخرجا من الكعبة فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر بهما من رآهما وليزدجر الناس عن مثل ما ارتكبا١ ... انتهى.

وقد يشتمل هذا الخبر على أمور من حال جرهم، وفيه موضعان يقتضيان أنهم أخرجوا العماليق من مكة، وهذا الخبر الذي أشرنا إليه بعد ذكرنا لخبر ابن عباس وابن خيثم في خروج العماليق من مكة، لكونه يفهم خلاف ما يفهمه الخبران المشار إليهما ... والله أعلم.

وأظن أن أبا الوليد الأزرقي مؤلف "أخبار مكة" هو القائل: حدثني بعض أهل العلم، قالوا: كانت العماليق هم ولاة الحكم في مكة٢، إلى آخر ما ذكرناه من خبر العماليق وقطورا وجرهم، ويحتمل أن يكون قائل ذلك هو ابن إسحاق زيادة على ما ذكره من خبر جرهم وقطورا لما في ذلك من الفوائد الزائدة على ما ذكره أولا ... والله أعلم.

وذكر المسعودي خبر جرهم وقوم السميدع على وجه يخالف ما ذكره الأزرقي عن ابن إسحاق، وأفاد في ذلك ما لم يفده غيره، فاقتضى ذلك ذكر ما فيه مما يلائم خبر المشار إليهم دون ما فيه من خبر غيرهم، إلا ما لا بد من ذكره، لارتباط الكلام به، قال المسعودي: ولما أسكن إبراهيم ولده عليهما السلام مكة مع أمه هاجر ثم قال: وكان من خبر إسماعيل وخبر هاجر ما كان إلى أن أنبع الله زمزم وأقحط الشحر واليمن، فتفرقت العماليق وجرهم، ومن هنالك من عاد، فيممت العماليق نحو تهامة يطلبون الماء والمرعى والدار المخصبة وعليهم السميدع بن هوثر بن لاوي بن قطور بن كركر بن حمدان٣، فلما أمعنت٤ بنو كركر من المسير وقد عدمت الماء والمرعى واشتد بها الجهد، أقبل السميدع بن هوثر يرتجز بشعر له يحثهم على المسير ويشجعهم فيما نزل بهم، فقال:

سيروا بني الكراكر في البلاد ... إني أرى الدهر في فساد

قد سار من قحطان ذو الرشاد

فأشرف روادهم وهم المتقدمون منهم لطلب الماء على الوادي، فنظروا إلى الطير يرتفع وينخفض، فاستبطنوا الوادي، فنظروا إلى العريش على الربوة الحمراء، يعني


١ أخبار مكة للأزرقي ١/ ٨١- ٨٨.
٢ أخبار مكة للأزرقي ١/ ٨٩,
٣ في مروج الذهب "السميدع بن هوبر بن لاوي بن قيطور بن كركر بن حيدان، وفي نسخة: السميدع بن هود بن لابي بن قنطور".
٤ في مروج الذهب ١/ ٥٨٢: "أجهدت".

<<  <  ج: ص:  >  >>