أجول في الأرض، فضربت الأمثال بغربتي، وسار به إلى شعب الأثل عند غيضة زيتون فقال: يا بني قد خلونا وثالثنا الله الشاهد العالم الواحد، وإذا أسديت نعمة للمرء وجب عليه شكرها، وقد أسديت إلي نعمة وجب علي شكرها، فعلي لك النصيحة أو أقع في الفضيحة: أنبئك بما ينجيك، والذي به أهديك أحب إلي مما أغنيك، يا بني هل ولد في آل مضر مولود اسمه محمد؟ قلت: لا، قال: إنه سيولد ويأتي حينه ويعلو دينه ويقبل أوانه، ويشرف زمانه، فإن أدركته فصد وحقق، وقبل الشامة التي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم، وقل له: يا خير مولود، دعوت إلى معبود، فأجب ولا تخب، ثم قال:
شكر مسارعا نعم الأيادي ... لخير الناس كلهم أبادي
إلى ابن نزار حيث الفقر حتى ... نزلت برحله من غير زاد
وذكر باقي الأبيات، ثم أتى صخرة عظيمة مطبقة على صخرة فقلعها، ودخل معه سربا، وذكر العقبة، إلى أن دخل بيتا فيه أربعة أسرة، سرير خال، وثلاثة عليها رجال، وفي البيت كرسي دار وياقوت وعقيان ولجين، فقال لي: خذ وقر جملك لا غير، وقال له: هذاك الذي على يسار سريري الخالي مضاض أبي، والذي على يساره ابنه عبد المسيح، والذي على يساره سرير ابنه بقيلة، لوح رخام فيه مكتوب: أنا بقيلة بن عبد المدان، عشت خمسمائة سنة في طلب الملك، فلم يكن ذلك ينجيني من الموت، وعلى رأس عبد المسيح، أنا عبد المسيح، عشت مائة سنة وركبت مائة فرس، وافتضضت مائة بكر، وقتلت مائة مبارز، وأخذني الموت غضبا فأورثني أرضا، وعلى رأس مضاض: أنا مضاض عشت ثلاثمائة سنة، أخذت مصر والقدس، وهزمت الروم بالمرادن، ولم يكن لي بد من الموت، ثم استوى على سريره الخالي، وإذا على رأسه مكتوب: أنا الحارث بن مضاض، عشت أربعمائة سنة، ملكت مائة، وجلت في الأرض ثلاثمائة سنة متغربا بعد هلاك قومي جرهم، ثم قال: يا بني ناولني القارورة التي في تلك الكسوة، فناولته إياها، فشرب نصفها وادهن بنصفها، وقال: إذا أتيت إخوتك وقومك فقالوا لك: من أين لك هذا المال؟ فقل لهم: إن الشيخ الذي حملته هو الحارث بن مضاض الجرهمي، فهم يكذبونك، فقل لهم: إن آيتي الحجر المدفون بجوار زمزم فيه مقام إبراهيم، وفي الحجر الذي يليه شعر الحارث بن مضاض، وهو قوله:
كأن لم يكن بن الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر١
١ هذا البيت من قصيد طويلة تروي عن المضاض بن عمرو الجرهمي، وراجعها في صفحة ٤٧ من كتاب "تاريخ القطبي". وستأتي الأبيات بعد قليل وتنسب لعمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي.