وأما ما ذكره عن أصحاب الأخبار من ضرب مضاض في ذلك الموضع أجياد مائة من العماليق، فإن الذي نقلته من كتب جماعة أن الذي ضرب الرقاب هناك لم يكن مضاضا، ولا كانت المائة المقتولة من العمالقة أصلا، فإن أصحاب الأخبار قد ذكروا في حديث طويل نذكر معناه مختصرا لأن فيه ما يدل على البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أن إلياس بن مضر قال: سألت عمي إياد بن نزار عن أصل ماله، وكان متمولا، فذكر الخبر المتقدم ... انتهى.
قلت: لا مانع من أن يكون مضاض بن عمرو الجرهمي ضرب أيضا بأجياد: أجياد مائة رجل من العمالقة، لما ظهر على قطورا قوم السميدع وهم من العمالقة كما تقدم، ويصح بذلك ما نقله السهيلي عن ابن هشام وغيره من أهل الأخبار، وتكون ذلك قضية، وما ذكره من فتح الأندلس قضية أخرى، وقد ذكر صاحب "الاكتفا" ما يؤيد ذلك، لأنه قال: وغير ابن إسحاق يقول: إنما سمي بأجياد لأن مضاضا ضرب في ذلك الموضع جياد مائة رجل فيه من العمالقة، وقيل: بل أمر بعض الملوك غير مسمى بضرب الرقاب فيه، فكان يقول لسيافه توسطا لأجياد، وهذا أو نحوه أصح في تسمية الموضع بأجياد مما قال ابن إسحاق ... انتهى.
ولا منافاة بين ما ذكره صاحب "الاكتفا" من أن الملك قال لسيافه: توسط الأجياد، وبين ما تقدم في الخبر من أن قائل ذلك أول المقتولين، لإمكان أن يكون قال الملك ذلك أيضا لسيافه، كما قاله المقتول للسياف، لأن المقتول سأل ما لا يؤثر في مقصود الملك، فأجابه الملك إلى سؤاله، والله أعلم.
وقد قيل في سبب تسميته أجياد وقعيقعان غير ما ذكره ابن إسحاق في سيرته، لأن الأزرقي ذكر خبرا في خبر تبع، قال فيه:"ثم سار تبع حتى قدم مكة، فكان سلاحه بقعيقعان، فيقال: فبذلك سمي قعقيعان، وكانت خيله بأجياد، ويقال: إنما سميت أجيادا بأجياد خيل تبع، وهذا الخبر رواه الأزرقي، عن جده، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج عن ابن إسحاق١.
وقد قيل في سبب تسمية أجياد وقعيقعان، والمطابخ شيئا يستغرب، ذكره الفاكهي لأنه قال: وحدثني عبد الله بن أبي سلمة قال: حدثني الوليد بن عطاء بن أبي مسلم الأعز، عن أبي صفوان المرواني قال: حدثنا ابن جريج قال: قال مجاهد: قال ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أباكم إسماعيل أول من ذللت له الخيل العراب فأعتقها وأورثكم حبها"، وذلك أن الخيل العراب كانت كلها وحوشا كسائر الوحوش،