للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحارث، وقد كان أصبه من الصبابة إلى مكة ما أحزنه، أرسل إلى خزاعة يستأذنها في الدخول عليهم والنزول معهم بمكة في جوارهم، فأبت خزاعة، ثم قال: فنزعت إبل لمضاض بن عمرو الجرهمي من قنونى تريد مكة، فخرج في طلبها حتى وجد أثرها، وقد دخلت مكة، فمضى على الجبال من نحو أجياد، حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الإبل في بطن وادي مكة، فأبصرها تنحر وتؤكل لا سبيل له إليها، فخاف إن هبط الوادي أن يقتل، فولى منصرفا إلى أهله، وأنشأ يقول:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم تتربع واسطا١ فجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر

بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالي والجدود العواثر

وبدلني ربي بها دار غربة ... بها الذئب يعوي والعدو المحاصر

فإن تملأ الدنيا بكلبها ... ويصبح حال بعدنا وتشاجر

فكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بهذا البيت والخبر ظاهر

فأنكح جدي غير شخص علمته ... فأبناؤه منا البيت والخير ظاهر

فأنكح جدي غير شخص علمته ... فأبناؤه منا ونحن الأصاهر

فأخرجنا منها المليك بقدرة ... كذلك بالناس تجري المقادر٢

أقول إذا نام الخلي ولم أنم ... إذا العرش لا يبعد سهيل وعامر

وبدلت منهم أوجها لا أحبها ... وحمير قد بدلتها والعمائر

وصرنا أحديثا وكنا بغبطة ... كذلك عقتنا السنون الغوابر

وسحت دموع العين تبكي لبلدة ... كذا بها حرم أم وفيها المشاعر

بواد أنيس ليس يؤذي حمامه ... ولا منفر يوما وفيها العصافر

وفيها وحوش لا ترام أنيسه ... إذا أخرجت منها فما إن تغادر

فيا ليت شعري هل يعمر بعدنا ... جياد فمضى سيله فالظواهر

فبطن منى وحش كأن لم يسر به ... مضاض وفي حي عدي عمائر٣

وقال أيضا:

يا أيها الحي سيروا إن قصركم ... أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا


١ واسط، هو الجبل الذي يصل بين الحارة الموصلة إلى منى، والدرب الذي يمر منه المشاة من الحجاج والذي يعرفه أهل مكة بدرب المكيين.
٢ كذا في جميع الأصول.
٣ يلاحظ أن القصيدة تختلف في ترتيبها عما كانت عليه عندما أوردها المؤلف قبل قليل، وهي تختلف أيضا في الترتيب وزيادة بعض الأبيات ونقص بعض الأبيات في المصادر المشار إليها قبل قليل في الحاشية.

<<  <  ج: ص:  >  >>