للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممن رجح كون الذبيح إسماعيل -عليه السلام- الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير؛ لأنه قال في ترجمت: وهو الذبيح على الصحيح؛ ومن قال إنه إسحاق فإنه تلقاه مما حرفه النقلة من بني إسرائيل١ ... انتهى.

وكلام السهيلي يقتضي ترجيح قول من قال: إن الذبيح إسحاق، وأجاب عما يخالف ذلك، ونذكر كلامه لإفادة ذلك وغيره، ونصه: وقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: ١٠١] الآية. يعني بإسحاق ألا تراه يقول في آية أخرى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: ٧١] ، وقال في آية أخرى: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} [الذاريات: ٢٩] الآية، وامرأته هي سارة، فإذا كانت البشارة بإسحاق نصا، فالذبيح إذا هو إسحاق لقوله ههنا: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: ١٠٢] الآية. وأيضا فإنه قال: {بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} ولم يكن معه بالشام إلا إسحاق، وأما إسماعيل -رضي الله عنه- ورواه ابن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وروي أيضا عن ابن عباس مرفوعا، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ غير أن الإسناد فيه لين. وبهذا قال كعب الأحبار، وبه قال شيخ التفسير محمد بن جرير. وروي ذلك -أيضا- عن مالك بن أنس.

وقالت طائفة: إن الذبيح إسماعيل، وروي هذا القول بإسناد عن الفزردق الشاعر، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح إسناده عن الفرزذق لكان في الفرزدق نفسه مقال، وروي أيضا من طريق معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رجلا يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن الذبيحي٢ ... في حديث ذكره، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم, ولو صح إسناده هذا الحديث لم يقم به حجة لأن العرب تجعل العم أبا، قال الله تعالى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: ١٠٠] وهما أبوه وخاله، ومن حجتهم أيضا أن الله لما فرغ من قصة الذبيح قال: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاق} [الصافات: ١١١، ١١٢] ... إلخ، والجواب عنه من وجهين:

أحدهما: أن البشارة الثانية إنما هي نبوة إسحاق والأولى بولادته؛ ألا تراه يقول: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً} [الصافات: ١١١، ١١٢] ، ولا تكون النبوة إلا في حال الكبر، عنه من منصوب على الحال.

والجواب الثاني: أن قوله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً} [الصافات: ١١١، ١١٢] تفسير؛ كأنه قال بعدما فرغ من ذكر البشرى وذكر ذبحه: وبشرناه، وكانت البشارة بإسحاق، كما


١ البداية والنهاية ١/ ١٥٩.
٢ انظر "القول الفصيح في تعيين الذبيح" للسيوطي في الحاوي للفتاوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>