للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقصي مجمع على ما أجمع عليه، من قتالهم بمن معه من قريش وبني كنانة، ومن قدم عليه مع أخيه رزاح من قضاعة؛ فلما كانت آخر أيام منى، أرسلت قضاعة إلى خزاعة يسألونهم أن يسلموا إلى قضي ما جعل له حليل، وعظموا عليهم القتال في الحرم، وحذروهم الظلم والبغي بمكة، وذكروهم ما كانت فيه جرهم، وما صارت إليه حين ألحدوا١ فيه بالظلم؛ فأبت خزاعة أن تسلم ذلك، فاقتتلوا بمفضى مأزمي منى -قال: فسمى ذلك المكان المفجر٢، لما فجر فيه وسفك فيه من الدم، وانتهك من حرمته- فاقتتلوا قتالا شديدا، حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا، وكثرت فيهم الجراحات، وحاج العرب جمعيا من مضر واليمن مستنكفون، ينظرون سفك الدماء والفجور في الحرم؛ فاصطلحوا على أن يحكموا بينهم رجلا من العرب، فحكموا عمر بن عوف بن كعب بن عامر بن الليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكان رجلا شريفا؛ فقال لهم: موعدكم فناء الكعبة غدا، فاجتمع الناس، وعدوا القتلى؛ فكانت في خزاعة أكثر منها في قريش وقضاعة وكنانة، وليس كل بني كنانة قاتل مع قصي خزاعة؛ إنما كانت مع قريش من كنانة فلال يسيرة، واعتزلت عنها بنو بكر بن عبد مناة قاطبة.

فلما اجتمع الناس بفناء الكعبة قام يعمر بن عوف؛ فقال: ألا إني قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدمي هاتين، ولا تباعة لأحد على أحد في دم، وإني قد حكمت لقصي بحجابة البيت، وولاية أمر مكة دون خزاعة لما جعل له حليل، وأن يخلي بينه وبين ذلك، وأن لا تخرج خزاعة من مساكنها من مكة.

قال: فسمي يعمر ذلك اليوم: الشداخ.

فسلمت ذلك خزاعة لقصي، وأعظموا سفك الدماء في الحرام، وافترق الناس.

فولي قصي بن كلاب حجابة البيت وأمر مكة، وجمع قومه قريشا من منازلهم إلى مكة يستعز بهم ويملك على قومه، فملكوه، وخزاعة مقيمة بمكة على رباعهم وسكانهم لم يحركوا ولم يخرجوا منها؛ فلم يزالوا على ذلك حتى الآن، وقال قصي في ذلك وهو يشكر لأخيه رزاح بن ربيعة:

أنا ابن العاصمين بني لؤي ... بمكة مولدي وبها ربيت

لي البطحاء قد علمت معد ... ومروتها رضيت بها رضيت


١ من الإلحاد وهو الميل.
٢ ما زال اسم هذا المكان "المفجر" معروفا حتى اليوم وهو قريب من منى خلف الجبل المقابل لثبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>