للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"غيبوه"، ثم قال: "خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله سبحانه وتعالى؛ فأعلموا فيها بالمعروف خالدة تالدة، ولا ينزعها منكم أو من أيديكم إلا ظالم".

فخرج عثمان بن أبي طلحة إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة مقامه؛ فلم يزل يحجب هو وولده وولد أخيه وهب بن عثمان، حتى قدم وفد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وولده مسافع بن طلحة بن أبي طلحة من المدينة، وكانوا بها دهرا طويلا؛ فلما قدموا حجبوا مع بني عمهم، فولد أبي طلحة جميعا يحجبون.

وأما اللواء: فكان في أيدي بني عبد الدار كلهم، يليه منهم ذو السن والشرف في الجاهلية، حتى كان يوم أحد فقتل عليه من قتل منهم.

وأما السقاية والرفادة والقيادة: فلم تزل لعبد مناف بن قصي يقوم بها حتى توفي؛ فولي بعده ابنه هاشم بن عبد مناف السقاية، والرفادة وولي عبد شمس بن عبد مناف القيادة؛ فكان هاشم بن عبد مناف يطعم الناس في كل موسم ما يجتمع عنده من ترافد قريش، كان يشتري بما يجتمع عنده دقيقا، ويأخذ من ذبيحة من دينه أو بقرة شيئا -فخذه أو غيره- فيجتمع ذلك كله، ثم تحرز به الدقيق ويطعمه الحاج؛ فلم يزل على ذلك من أمره حتى أصاب الناس في سنة جدب شديد، فخرج هاشم بن عبد مناف إلى الشام، فاشترى بما اجتمع عنده من ماله دقيقا وكعكا، فقدم به مكة في الموسم، فهشم ذلك الكعك، ونحر الجزور وطبخها، وجعله ثريدا، وأطعم الناس -وكانوا في مجاعة شديدة- حتى أشبعهم؛ فسمي بذلك: هاشما، وكان اسمه عمرو، وفي ذلك يقول ابن الزبعرى السهمي:

كانت قريش بيضة فتفلقت ... فالمح خالصها لعبد مناف

الرائسين وليس يوجد رائس ... والقائلين هلم للأضياف

والخالطين غنيهم بفقيرهم ... حتى يعود فقيرهم كالكافي

والضاربين الكبش يبرق بيضه ... واللازمين١ البيض بالأسياف

عمرو العلا هشم الثريد لمعشر ... كانوا بمكة مسنتين عجاف

يعني بعمرو العلا: هاشما.

فلم يزل هاشم على ذلك حتى توفي؛ فكان عبد المطلب يفعل ذلك؛ فلما توفي عبد المطلب قام بذلك أبو طالب في كل موسم، حتى جاء الإسلام وهو على ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل بمال يعمل به الطعام مع أبي بكر -رضي الله عنه- حين حج


١ في أخبار للأزرقي ١/ ١١٢ "والمانعين".

<<  <  ج: ص:  >  >>