يبلغوا ولا أحد من قومهم من قريش، ما بلغ عبد مناف من الذكر والشرف والعز، وكان قصي وحبي ابنه حليل يحبان عبد الدار ويرأفان عليه، لما يريان عليه من شرف عبد مناف عليه، وهو أصغر منه، وقالت حبي: والله لا أرضي حتى يخص عهبد الدار بشيء يحلقه بأخيه. فقال قصي: والله لالحقنه به ولأحبونه بذروة الشرف، حتى لا يدخل أحد من قريش ولا غيرها الكعبة إلا بإذنه، ولا يقضون أمرا ولا يعقدون لواء إلا عنده، وكان ينظر في العواقب، فأجمع قصي على أن يقسم أمور مكة الست التي فيها الذكر والشرف والعز بين بنيه، فأعطى عبد الدار: السدانة وهي الحجابة، ودار الندوة، واللواء، وأعطى عبد مناف: السقاية، والرفادة، والقيادة.
فأما السقاية: فهي حياض من أدم، كانت على عهد قصي توضع بفناء الكعبة، ويستقي فيها الماء العذب من الآبار على الإبل، ويسقي الحاج.
وأما الرفادة: فخرج كانت قريش تخرجه من أقواتها في كل موسم فتدفعه إلى قصي يصنع به طعاما للحاج، يأكله من لم يكن معه سعة ولا زاد؛ فلما هلك قصي أقيم أمره في قومه بعد وفاته على ما كان عليه في حياته، وولى عبد الدار حجابة البيت، وولاية دار الندوة، واللواء؛ فلم يزل يليه حتى هلك، وجعل عبد الدار الجابة بعده إلى ابنه عثمان بن عبد الدار، وجعل دار الندوة إلى ابنه عبد مناف بن عبد الدار؛ فلم يزل بنو عبد مناف بن عبد الدار يلون دار الندوة، دون ولد عبد الدار؛ فكانت قريش إذا أرادات أن تتشاور في أمر فتحها لهم عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، أو بعض ولده أو ولد أخيه، وكانت الجارية إذا حاضت أدخلت دار الندوة ثم شق عليها بعض ولد عبد مناف بن عبد الدار درعها ثم درعها إياه. وانقلب بها أهلها فحجبوها، فكان عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار يسمى محيضا.
وإنما سميت دار الندوة لاجتماع النداة فيها بندوتها فيجلسون فيها لإبرام أمرهم وتشاورهم.
ولم يزل بنو عثمان بن عبد الدار يلون الحجابة دون ولد عبد الدار، ثم وليها عبد العزي بن عثمان
بن عبد الدار، ثم وليها ولده أبو طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، ثم وليها ولده من بعده، حتى كان فتح مكة؛ فقبضها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أيديهم، وفتح الكعبة ودخلها، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة مشتملا على المفتاح؛ فقال له العباس بن عبد المطلب: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أعطنا الحجابة مع السقاية؛ فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء: ٥٨] قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: فما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتلك الساعة، فتلاها. ثم دعي عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح وقال: