للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على العاص؛ فلما نظر إلى سلعته قد حيل دونها، رقي على جبل أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتها، فصاح بأعلى صوته:

يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة، نائي الدار والنفر

ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يال الرجال وبين الحجر والحجر

هل محضر من بني سهم بخفرته ... وعادل أم ضلال مال معتمر

إن الحرام لمن تمت حرامته ... ولا حرام لثوب الفاخر الغدر

فقال الزبير بن عبد المطلب: إن هذا الأمر ما ينبغي لنا أن نسمك عنه؛ فطاف في بني هاشم، وزهرة، وأسد، وتيم، فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان، وتحالفوا بالله القائل، لنكون يدا للمظلوم على الظالم، حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة، ومارسا حراء وثبير في مكانهما، وعلى التأسي في المعاش: ثم نهضوا إلى العاص بن وائل فنزعوا سلعة الزبيدي، ودفعوها إليه، فقالت قريش: إنه قد دخل هؤلاء في فضل من الأمر، فسمي: حلف الفضول، فقال الزبير بن عبد المطلب:

حلفت لنعقدن حلفا عليهم ... وإن كنا جميعا أهل دار

نسميه الفضول إذا عقدنا ... مقربة الغريب لذي الجوار

ويعلم من حوالي البيت أنا ... أباة الضيم نمنع كل عار١

إذا لام الغدار لنا حراما ... أقمنا بالسيوف ذا الازورار

قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثني عمرو بن أبي بكر قال: كان يقال: كان في جرهم مثل هذا الحلف؛ فمشى فيه رجال، منهم فضل، وفضال، وفضالة، فسموه حلف الفضول، وقال: الزبير بن عبد المطلب:

إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا ... أن لا يقيم ببطن مكة ظالم

أمر عليه تعاقدوا٢ وتواثقوا ... فالجار والمعتر فيهم سالم٣

وقد بان بما ذكرناه من هذه الأخبار المتعلقة بحلف الفضول فوائد كثيرة تتعلق بذلك؛ وإنما سبب تسميته بحلف الفضول، كون الذين تحالفوا عليه تحالفوا على حلف مثله، سبق إليه جماعة من جرهم، يقال لكم منهم: الفضل، أو ما يقرب من معناه.


١ أخبار مكة للفاكهي ٥/ ١٩٥، إتحاف الورى ١/ ١٢١، الروض الأنف ١/ ١٥٦، السيرة لابن كثير ١/ ٢٥٩.
٢ في الروض الأنف ١/ ١٥٧، وإتحاف الورى ١/ ١٢١: "تعاهدوا".
٣ أخبار مكة للفاكهي ٥/ ١٩٤-١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>