للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيراها"، قال: فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي؛ حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه، قال: ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة، قال: يا عباس من هذه؟ فأقول: سليم. فيقول: ما لي ولسليم؟ ثم ترم القبيلة، فيقول: يا عباس من هؤلاء؟ فأقول: مزينة فيقول: ما لي ولمزينة، حتى نفذت القبائل، ما ترم قبيلة إلا سألني عنها؛ فإذا أخبرته بهم قال: ما لي ولبني فلان، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء.

قال ابن هشام: وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها، قال ابن إسحاق: فيها المهاجرون والأنصار. لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد. قال: سبحان الله يا عباس، من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما. قل: قلت: يا أبا سفيان إنها النبوة. قال: فنعم إذا. قال: قلت: النجاء إلى قومك، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه، فقالت: اقتلوا الحميت الدسم الأحمس١، قبح من طليعة قوم! قال: ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم؛ فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله؛ وما يغني عنا دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى ذي طوي٢ وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حبرة٣ حمراء، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعا لله -عز وجل- بحين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرجل.

ثم قال بعد أن ذكر شيئا من خبر أبي قحافة -رضي الله عنه- وإسلامه: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير شيبة، ومناشدة أبي بكر -رضي الله عنه- الناس في طوق أخته.

وحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى أمر الزبير بن العوام -رضي الله عنه- أن يدخل بفي الناس من كذا، وكان الزبير -رضي الله


١ في الأصل: "زق السمن"، والدسم: الكثير والودك. والأحمس: الذي لا خير عنده: من قولهم: عام أحمس إذا لم يكن منه مطرا.
٢ ذي طوى بئر بأسفل مكة من ناحية الشمال، وهو بمحلة جرول معروف إلى الآن يغسل عنده حاج المغرب، وبعض الحجاج الذين على مذهب مالك عند دخولهم مكة.
٣ الاعتجاز: التعميم بغير ذؤابة. والحبرة: ضرب من ثياب اليمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>