للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعرفوه، فأحاطوا به، وهو إلى جنب جدار من جدر مكة، يقولون: أنت قاتل. قال: نعم، أنا قاتل أحمر. فعندئذ أقبل خراش بن أمية مشتملا على السيف؛ فقال هكذا عن الرجل، والله ما نظنه إلا أنه يريد أن يفرج الناس عنه فلما تفرجنا عنه حمل عليه فطنه بالسيف في بطنه؛ فوالله لكأني أنظر إليه وحوشته تسيل من بطنه، وإن عيينه ليريقان في رأسه وهو يقول: قد فعلتموها يا معشر خزاعة حتى أفجعت فوقع؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر القتل إن نفع قتلتم قتيلا لأدينه".

قال ابن إسحاق: وحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح الخزاعي قال: لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير، جئته فقلت له: يا هذا، إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة؛ فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رج لمن هذيل فقتلوه وهو مشرك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فقال: "أيها الناس إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض؛ فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرا. لم تحلل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحل لي إلا هذه الساعة، غصبا على أهلها، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس؛ فليبلغ الشاهد منكم الغائب؛ فمن قال لكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل فيها، فقولوا: إن الله قد أحلها لرسوله، ولم يحلها لكم، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل، قد كثر إن نفع، لقد قتلتم قتيلا لأدينه؛ فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين: إن شاؤوا فدم قاتله، وإن شاؤوا فعقله" ١.

ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتله خزاعة؛ فقال عمرو لأبي شريح: انصرف أيها الشيخ، فنحن أعلم بحرمتها منك، إنها لا تمنع سافك دم، ولا خالع طاعة، ولا مانع جزية، قال أبو شريح: إني كنت شاهدا، وكنت غائبا، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا، وقد أبلغتك، فأنت وشأنك.

قال ابن هشام: وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: جندب بن الأكوع، قتلته بنو كعب، فواده مائة ناقة.

قال ابن هشام: وبلغني عن يحيى بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة ودخلها، قام على الصفا يدعو، وقد أحدقت به الأنصار؛ فقالوا فيما بينهم: أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه ولده يقيم بها؟ فلما فرغ من دعائه قال: "ماذا قلتم؟ قالوا: لا شيء يا رسول الله. فلم يزل صلى الله عليه وسلم بهم حتى أخبروه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله، المحيا محياكم، والممات مماتكم".


١ أخرجه البخاري "٤٢٩٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>