للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدثني من أثق به من أهل الرواية في إسناد له عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته؛ فطاف عليها، وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب في يده إلى الأصنام، ويقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء: ٨١] . فما أشار صلى الله عليه وسلم إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع. فقال تميم بن أسد الخزاعي:

وفي الأصنام معتبر وعلم

لمن يرجو الثواب أو العقابا

قال ابن هشام: وحدثني أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يطوف بالبيت عام الفتح؛ فلما دنى منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضالة؟ " قال: نعم، فضالة يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: "ماذا كنت تحدث به نفسك؟ " قال: لا شيء، أذكر الله. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "استغفر الله" ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده من صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه.

قال فضالة -رضي الله عنه-: فرجعت إلى أهلي، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها؛ فقالت: هلم إلى الحديث، فقلت: لا. وانبعث فضالة يقول:

قالت هلم إلى الحديث فقلت لا ... يأبى علي الله والإسلام

كوما رأيت محمدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسر الإصنام

لرأيت دين الله أصبح بينا ... والشرك يغشى وجهه الإظلام

ثم قال ابن إسحاق: وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف، من بني سليم سبعمائة. ويقول بعضهم: آلأف، ومن بني غفار أربعمائة. ومن أسلم أربعمائة، ومن مزينة ألف وثلاثة نفر، وسائرهم من قريش والأنصار، وحلفائهم، وطوائف العرب، من بني تميم، وقيس، وأسد١.

ثم قال ابن إسحاق: وحدثني ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة.

قال ابن إسحاق: وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان بسنة ثمان ... انتهى٢، باختصار المواضع من إنباء خبر فتح مكة المشار إليه، ومن شعر تميم بن أسد، في اعتذاره، من فراره عن منبه، وشعر الأخرز بن لعيط الديلي، وما كان بين كنانة


١ سيرة ابن هشام ٤/ ٩٥-١٠٦.
٢ السيرة ٤/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>